راحة الإنسان (سيزيف).

بحسب الميثولوجيا الاغريقيَّة فإنَّ (سيزيف) كان رجلًا ذكيًا وماكرًا جدًا؛ حيث استطاع أن يخدع إله الموت (ثانتوس) حين طلب منه أن يجرب الأصفاد والأقفال، وما إن جربها حتَّى قام (سيزيف) بتكبيله، وحين كبله منع بذلك الناس أن تموت، فعاقبه كبير الآلهة بأن جعله يحمل صخرةً من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت الصَّخرة مرةً أخرى إلى الوادي، فيعود إلى دفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح بذلك رمزًا للعذاب الأبدي. ***** والسُّؤال الذي تطرحه أسطورة (سيزيف) هو سؤال الجدوى أو سؤال المعنى الغائب؛ إذ إنَّ قلق الإنسان يكمن في بحثه في الفراغ عن معنى غائب، وتسقط معها جدوى تكرار الفعل الذي يؤدي إلى النَّتيجة نفسها! الكاريكاتير المصاحب لهذا المقال، ليس مجرد صورةٍ تعبيريةٍ كيفما اتفق، بل هو مقصودٌ لذاته، إذ إنَّه سؤالٌ مشرعٌ على الأسطورة نفسها: هل الإنسان بحاجةٍ إلى تكرار الفعل حتى يعبرَ عن إنسانيته، أم أنَّ عليه أن يبدعَ ويتجاوزَ الفعل اليوميَّ؟! (سيزيف) وجد في الرُّوبوت ما ينقذه من شغله الشَّاغل وهو دفع الصَّخرة، وتفرَّغ للراحة والتَّأمل وربما الإنتاج، والسُّؤال الذي لم يسأله (سيزيف) هل هناك وسيلةٌ للتَّخلص من عذاب الآلهة (رمز سيرورة الحياة) دون المساس بحكمها؟ فالرُّوبوت يتولى الفعل دون الإحساس بالعذاب، فهو منزوع القلق الوجودي الإنساني تمامًا. والسُّؤال البليغ: هل يطمئنُ الإنسانُ إلى تجريده من مقومات شخصيته الإنسانيَّة: قلقها، وجدوى وجودها، وإحساسها بوقع الحياة من حولها؟! فالرُّوبوت هو العذاب الأبدي الذي فرضه الإنسان على نفسه. التكنولوجيا الحديثة من الروبوتات تستعير ذكاء الإنسان من الإنسان؛ ليصبح الذكاء الاصطناعي هو مستقبل الإنسان، لست متشائمًا عندما أقول: إنَّ رحلة (سيزيف) مع الصَّخرة لم تنتهِ، بل أخذت شكل الإقصاء، ونزعت السَّيطرة على الفعل من الإنسان إلى الآلة، مع تشييء الإنسان، وأنسنه الآلة!!