عبدالحميد البقشي..

الرائد الذي استلهم فنّه من أرض الأحساء.

عرفت الفنان التشكيلى عبد الحميد بن علي البقشي مع بدايات عملي مفتتحاً مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأحساء عام ١٣٩٥هـ ١٩٧٥م. وبدأ المكتب بتنظيم البرامج الثقافية والاجتماعية إلى جانب البرامج الرياضية، ومن النشاطات الثقافية تنظيم معرضين سنويًا في الفنون التشكيلية بين شباب الأندية الرياضية، وبدأ التنافس بينهم، وبرز من بينهم الفنان البقشي ففي المعرض الأول لموسم ٩٥/ ١٣٩٦هـ والذي فتتحه أمير الأحساء محمد بن فهد بن جلوي حصل البقشي على المركز الأول، والمعرض الثاني حصل على كأس التفوق.  وفي العام الثاني ٩٦/ ١٣٩٧هـ تنافس على المراكز الأولى البقشي والصندل والمغلوث، واختيرت لوحة البقشي (نهاية اسرائيل) للمركز الأول بلا منافس.. وعلى ضوئها اختير البقشي للاشتراك ضمن بعثة المملكة للفنون التشكيلية في المهرجان الذي أقيم بالمملكة المغربية في المدة من ٥/ ١٢ إلى ٢٥/ ١٢/ ١٣٩٦هـ. وفي السنة الثالثة ٩٧/ ١٣٩٨هـ. تنافس ٤٥ فنانا تشكيليا من منطقة الأحساء يمثلون سبعة أندية رياضية هي: الجبل بالقارة، وهجر بالهفوف، والجيل بالهفوف، ونادي العيون، والفتح، والنجوم، والروضة، وطلاب المدارس، ومازال البقشي في مقدمة المشاركين في كل المعارض.  وفي منتصف عام ١٣٩٨هـ انتقل عملي لمكتب الرئاسة بحائل، وعند إقامة المعرض الأول للفنون التشكيلية لشباب أندية حائل لموسم ٩٨/ ١٣٩٩هـ استضاف المكتب الفنانين البقشي وأحمد المغلوث من شباب الأحساء للمساهمة والإشراف على تنظيم معرض حائل وشاركا بندوة ثقافية عن تاريخ الفنون التشكيلية وأهمتها.  انتقل عملي من حائل للرياض عام ١٤٠١هـ - 1981م واستمر تواصلي مع الشباب وعند زيارتهم للرياض يكرمونني بالزيارة، ومنهم الفنان البقشي الذي زارني مودعاً وهو يستعد للسفر إلى أمريكا للتخصص في الفنون التشكيلية وقد أهداني إحدى أعماله التي لازلت أحتفظ بها باسم الزمن. سألته عن بدايته مع الفنون: فقال إنه منذ طفولته بدأ يخربش بالحيطان والأوراق أشكال ومجسمات بالفحم قبل أن يدخل المدرسة، وفي السنة الأولى اكتشف مدرسه محمد المانع مراقبته له وهو يرسم صورة الملك سعود. فأخذه لغرفة التربية الفنية وشجعه، ثم انتقل لمدرسة حديثة فوجد من مدرس التربية الفنية الفلسطيني عبد الوهاب المصري، وشجعه وأهداه تقويم ملون لفناني البحرين، وطلب منه رسم العرضة النجدية فأعجب بها وعلقها في فناء المدرسة وكتب فوقها الفنان الصغير البقشي. وكان لهذا العمل عمله السحري إذ اتجه لهواية الرسم، وفي المدرسة المتوسطة كان لمدرس الرسم إسحاق التميمي الذي أهداه علبة ألوان، وبدأت المراكز الصيفية توفر الخامات والأدوات والرحلات وإقامة معرض للموهوبين، وبدأ مدرسو معهد التربية الفنية يؤثِّرون بالطلبة، وبعد المتوسطة التحق بمعهد التربية الفنية وهناك التقى بفنانين جدد يذكر منهم محمد سيام - رحمه الله - الذي زامله وأصبح ينافسه على المقدمة من بين الطلاب وتخرج من المعهد وكان ترتيبه الأول وكانت دراستهم عن تاريخ الفن والرسم والتصميم ومواد أخرى على أيدي مدرسين وفنانين أكفاء من فلسطين والعراق والسودان، وعن المدارس الفنية ولم يذكروا لنا السريالية ولا التجريد. بعد المعهد بدأ بالتدريس وخلالها شاهد فلماً سينمائياً أعطاه فكرة أن الرسم ليس موضوعات واقعية بل يمكن أن ترسم أشياء خيالية، وقال: «..اقتنيت كتاباً صغيراً عن سلفادور دالي وعرفت المدرسة السريالية، وشاع بعدها اسم المدرسة السريالية عن طريق الصحف والمجلات.. ».  وكان يرسم ولا يعرض إذ لم تبدأ ثقافة المعارض الفنية بالأندية الرياضية.  وجاء افتتاح مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالأحساء عام ١٩٧٥م وبدأت المعارض والتشجيع والمنافسة حيث اشتعل النشاط الفنى وتوهجت حيث المعارض والجوائز والنشاط المتواصل، في هذه المرحلة كنت أرسم لوحات سريالية متأثراً بذلك الفلم السينمائي وبكتب الجيب لدالي.  في نهاية السبعينات حصلت على بعثة إلى أمريكا لدراسة الفن التشكيلي من الدولة. وفي أمريكا استفدت كثيراً من الدراسة الأكاديمية على أيدي فنانين وعرفت أسرار استخدام الخامات والمواد بصورة صحيحة وسليمة.  وخلال المرحلة المتوسطة تعرفت على الفنان أحمد المغلوث والذي كنت أشاركه في المعارض والتحقت معه بجمعية الثقافة والفنون.  وبعد العودة من أمريكا تغيرت موضوعاتي في الرسم فبعد السريالية بدأت أرسم لوحات مستمدة من التراث السعودي والخط العربي، إضافة للوحات واقعية وتجريدية، وأصبحت أميل إلى رسم الأبعاد الثلاثة في كل موضوعاتي.. في السنوات الأخيرة بدأت التعامل مع المؤسسة الوقورة (مسك) وأحلم أن أجد لوحاتي معلقة في متاحف الفن السعودي المعاصر في هذا البلد العظيم والآن أصبحت مسك الرائدة في احتضان الفن والفنانين في فعالياتهم السنوية». وقال: الآن أنا كبرت ونسيت التواريخ ولكني متشبث بحبي الأول. أتذكر أنني زرته قبل نحو ثمان وعشرين سنة في منزله بالأحساء برفقة الصديقين عبد الرحمن الحمد ومحروس الهاجري - شفاه الله وعافاه - وكان ذلك بتاريخ ٤/ ٨/ ١٤١٩هـ، بعد أن توقف البقشي عن المشاركة بالمعارض الفنية، ومحاولة استدراجه للعودة للعمل الفني والمشاركة مع غيره.  استمر اللقاء لثلاث ساعات تخللها بعض القطع الموسيقية والأغاني الشعبية مما خلق شيئاً من المرح والفرح، فأحضر لنا آخر أعماله الفنية، وشرح لنا أهميتها وهي مما اكتسبه من دراسة أكاديمية بأمريكا. وتحدث ضمن برنامج التاريخ الشفوي الذي كنت أسجله لمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض تناول فيه لمحات من حياته العلمية والعملية، وكان هذا اللقاء الأخير معه. اتصلت به قبل أيام وذكرته بما وعد من تواصل ومشاركة فقال إنه بدأ مع مؤسسة (مسك) فهي تهتم بالفن والفنانين، ووعدني بزيارة للرياض في أقرب زيارة له للرياض.  لدى اطلاعي علي كتاب (تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية) تأليف الدكتور محمد الرصيص ومن إعداد وزارة الثقافة والاعلام، ط١، ١٤٣١هـ ٢٠١٠م وجدت اسم عبد الحميد البقشي ضمن الجيل الثاني، والكتاب موزع على أربعة أجيال، قال في تعريفه بالجيل الثاني: «ويشمل الفنانين من مواليد الخمسينيات من القرن العشرين، وبدأ إنتاجهم الفني يظهر ويعرض للجمهور من أوائل السبعينيات وما بعدها بالتزامن مع الطفرة الاقتصادية الأولى التي مرت بها المملكة، ويمثل هذا الجيل في الوقت الحاضر العدد الكبير من الفنانين السعوديين المعروفين على الساحة الفنية سواء في الإنتاج الفني أو البحثي أو الإعلامي، وتلقى معظم فناني هذا الجيل دراستهم في معهد التربية الفنية للمعلمين بالرياض، وواصل بعض منهم الدراسات الجامعية والعليا فيما بعد خارج المملكة».  وقد ضمت قائمة الجيل الثاني ٩٠ فناناً، ابتداء من مواليد ١٣٧٠هـ ١٩٥٠م حتى نهاية عام ١٣٧٩هـ ١٩٥٩م، وعلى رأس القائمة: أحمد فلمبان، وأحمد المغلوث، وعبد الحميد البقشي، وعلي الضمادي، وفؤاد مغربل، ومحمد الرصيص، وخالد العبدان، ومنيرة موصلي، وعبد الله الشلتي ..إلخ قالت الفتانة منى النزهة عن البقشي: «يستمد الفنان التشكيلي عبد الحميد البقشي فنه من دفء أرض الأحساء التي أثرت لديه أصالة الالهام وعمق التجربة .. وهو من الفنانين الرائدين في المشهد التشكيلي السعودي.. ابتكر أسلوباً دمج الحرف العربي في تشكيلات فنية تحمل بعداً إنسانيا. وتميز بالتقنية العالية والاهتمام بتكوين اللوحة والتفاصيل الدقيقة والبحث عن الجودة في اللون والخامة».