تكرار الأسماء والمواضيع أبرز الملاحظات.. والمطلوب ابتكار وصناعة نجوم ثقافيين جدد

الكاتبة والشاعرة نادية السالمي من الأسماء البارزة، تتفاعل مع الأحداث الثقافية وتعلن رأيها بصراحة ووضوح. ولعل آخر مداخلاتها كانت مع الكاتب حمود ابوطالب، الذي تحدث عن غياب الروائي عبده خال عن معرض الرياض الدولي للكتاب، ما فتح الباب أمامنا لسؤالها كيف تابعت انطباعات الجمهور الثقافي حول المعرض وبرنامجه المصاحب؟ وما هي رؤيتها للطريقة التي يمكن للمعرض ان يوثّق بها العلاقة بين الأدباء أنفسهم، وبينهم وبين الجيل الجديد؟ وفيما يلي، اجابات نادية السالمي عن هذه التساؤلات، مستعرضة رؤيتها وآراءها حول التجربة الثقافية للمعرض: الملاحظات التي لمستها في هذا المعرض (2025م) من خلال البرنامج المعد، أعزوها إلى النتيجة التراكمية للمعارض السابقة، التي لم يؤخذ فيها باقتراحات وملاحظات المهتمين به، وبالشأن الثقافي. يحاول رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور الواصل التأمل في تلكم الملاحظات؛، فعمد إلى الاتصال بأحد من تركوا بصمة نقدهم على المعرض، ويقيني أن سعادة الدكتور يقرأ للجميع. هذه البقعة من العالم العربي «بلادنا» قدرها الوعي منذ الأمر بـ «اقرأ»، فالقراءة كانت وما تزال بوابة الثقافة، والمنهج الأصيل لكل الحضارات. والرياض حين تفتح معرضها تشرّع للراغبين، مناهل الوعي والمعرفة في البلاد، وبقية الأمصار، لهذا يجب على القائمين على معارضها أن لا يضنوا على الرياض بالابتكار والجديد، وصناعة النجوم في شتى المجالات الثقافية. سؤالك الأوّل: دائمًا ما تتباين آراء الناس حول ما يقدّم لهم، وهذا حقهم، ومن يخدم الناس ويتولّى أمرهم، عليه أن يتسع صدره، مباعدًا عن تصنيفهم، وفاطنا إلى أخذ آراءهم بعين الاعتبار، معيدا إليها النظر ما أمكنه ذلك. لن أعلن سرًا إن ذكرت، أن أغلب الملحوظات على المعرض كانت من مثل: - التكرار، تكرار الأسماء المشاركة، وفي هذا رسالة ضمنية خاطئة، أن البلاد فقيرة من ناحية الكوادر المبدعة. - تكرار المواضيع والمضمون، وغياب الابتكار؛ وهذا تضييق على الثقافة، وفقر ما عُرفت به. - غياب استضافة الصحافة الثقافية، والصحفيين أصحاب الباع الطويل سعوديًا وعربيًا. - غياب رموزنا الثقافية، وغياب الرموز العربية وغير العربية وغياب دعوتهم. - خلو المعرض من حفلٍ لتوقيع كتاب عربيّ، أو دار عربية عريقة. - أحب أن أنوّه أن ما يحدث للأسف من استنساخ الأسماء، يحدث لأن القائمين على البرنامج لا يملكون قاعدة بيانات،  تمكنهم من معرفة أسماء غير تلك التي يعرفون، ويدركون أنها مستقر الضوء.  يريدون أسماء جاهزة، في حين أن من الأفضل بروز أسماء سعودية وعربية من خلال المعرض؛ لأن مكانة الرياض تخولها لأن تكون منبعًا للضوء، وصناعة النجوم. وصناعة النجوم تكون بدمج هذه الأسماء الجديدة مع أسماء معروفة، ما يحقق لها القفزة التي تحتاجها، طالما هي تملك أدواتها، وفي هذا خير للمعرض والقائمين عليه والأسماء المشاركة. - هناك غياب تام لشاعرة الشعر الشعبي. - الجامعات تنضح بأساتذتها في شتى العلوم والمعارف، ولا ترى إلّا أسماء بعينها تقود أكثر من أمسية. - بعض الورش تكررت في كل المعارض السابقة كفرض الصلاة. - هناك فقر في ابتكار المحتوى، حتى أن نجوم البرامج التلفزيونية أعادوا تدويرها في صورة ندوات حوارية. - غالب البرنامج معدة لليافعين والأطفال، والمواضيع التي تجذب المثقف المتمرّس غائبة تماما. ما نرغب فيه كمتابعين للمعرض لا يصعب على القائمين على البرنامج؛ ضوء وفرصة تتوزعان على الكوادر الجديرة والجديدة، فاحتكار الضوء على أسماء بعينها سوء تقدير، وهدر للمال والكوادر، وتقليد أعمى، وعمل لمجرّد العمل. سؤالك الثاني عن أساتذتنا وجعه أمضى من سؤالك الأول، أنا أؤمن بمصطلح «النخب» وأؤمن بدورهم، وإن اختلفت معهم. من غير المنطقي أن نبني جسورًا مع الكِتاب، ولا يتسنى لنا بناؤه مع الإنسان.. وأي إنسان؟! من له منجزات ثقافية وأدبية، وأطروحات وآراء أُخذ بها، ومن خلالها تعلمنا البحث في الجدوى، وقيمة الفكرة، ورصانة المعنى، واختلافنا مع هذه الرموز لا يقلل من قدرهم؛ فالفكرة ثوبها ضافٍ ومجبول على التمدد والاتساع. وفي تقديم الدعوات لحضور المعرض اعترافٌ بقدرهم،  وفرصة للحوار، وتبنّي آراء تعمل على رأب الصدع تخص الثقافة، وأمن الوطن، والإنسان، وفكرة العالم عنا وفكرتنا عنهم، فرصة لرؤية القارئ أو المبدع الجديد، ربان الثقافة غدًا. مواقع التواصل للأسف زادت هوة المسافة ولم تقرّبها، بنَت أبراجًا وهمية، وفرضت حجابًا يعيق فهم الآخر، بل ويلوّن نواياه، في أحايين كثيرة، بين أبناء الوطن الواحد، وبين أبناء العالم العربي؛ فلغة التفاهم، والود الذي لا يفسده اختلاف تخندقت في زوايا سوء الفهم، وإحباط وصول الفكرة. والأكثر من هذا، أن الجيل الجديد بحاجة إلى أن يعرف من سبقوه عن قرب، يحاوروهم، يرفض فكرهم، أو يتعلم منهم التواضع إن وجد، أو ما كان منهم من ، نهم المعرفة والقفز بالفكرة، الجرأة في الطرح، دون إسفاف، بحاجة إلى إتقان فهم أن فكر هذا المثقف يتغير، ليس لأنه منافقٌ، بل لأن الخبرة تجلو البصيرة، والخطأ من الإنسان ركن الأساس في تكوينه. لا شك أن بلادنا غنية برموزنا، والوزارة لا تستطيع جمعهم على صعيد واحد، لمدة أيام المعرض العشرة، وأرى أن ثلاثة أيام تكفي للاستضافة، تأتي مجموعة، وتذهب أخرى. نقطة أخيرة: معرض الكتاب للجميع، يختلط الصغير بالكبير، أهل الهامش بالمتن، الصف الأول بالأخير، أصحاب  ثقافة الصورة، بأصحاب الثقافة التقليدية، الضوضاء، فيه هي مخاض لرموز تتخلّق فيه، وليس هذا موطن للسكينة والهدوء، هذه الخاصية تتوفّر في المكتبات، وهي مفتوحة على مدار اليوم. ما ذكر بعاليه رأيي، الذي أظن وجاهته، لا أرجو عليه شكري، ولا توبيخي، إنما أرجو مصلحة الثقافة، التي أرجو لها أن لا تخون سعتها وسمعتها.