يوسف المحيميد و"قرص العقيلي"!

عندما تأتي سيرة أبي إبراهيم أتذكر “قرص العقيلي” وهو لمن لا يعرفه: خبزة تتكون من السميد والسكر، ولا تحتوي على أي مواد حافظة أو ألوان صناعية، وكانت نساء بريدة المشهورات بصناعة تلك المخبوزة يخبزنها لرجالهن المسافرين في رحلات العقيلات القديمة والمدونة في تاريخ الجزيرة العربية، حينما كانوا ينتقلون من بريدة إلى بلاد الرافدين والشام وفلسطين ومصر الكنانة، بغرض التجارة وتبادل المنافع، وهو في رأيي نفس نسق أديبنا أبي إبراهيم (عقيلي الرواية السعودية)، يغيب عنا معشر القراء والمتابعين عدة سنوات، ليعود بعدها بالبضائع النفيسة والحكايات البديعة، لكنه كان يعيش تلك الحكايات قبل أن يكتبها فتخرج صادقة ومؤثرة ومحلقة بالقارئ إلى أعلى مراتب التجلي والمتعة. لقد كان ينتابنا بعض من الخوف كلما تأخر في العودة إلى الكتابة، لأن من كتب “فخاخ الرائحة” و “القارورة” و “ الحمام لا يطير في بريدة” وغيرها من الروايات، ووصلت به في تلك المرحلة إلى صدارة الروائيين السعوديين. سيكون الحفاظ على هذه القمة في غاية الصعوبة، والعودة كل مرة بتحفة جديدة وغالية أمر يزيد المهمة تعقيداً في ظل المنافسة من بقية الروائيين الآخرين من الجنسين، وتغير الزمان وتداخل الأجيال. من الإنصاف تذكر تجربة أبي إبراهيم الشخصية في مواجهة التطرف والمتطرفين، ووقوفه بعناد وثقة أمام طغيانهم على جميع مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية في فترة سابقة، مما تسببت في بهتان المشهد الثقافي السعودي، والنفور منه، بسبب تلك الحملات الظالمة على الثقافة والمثقفين، مما أدى إلى تواري البعض، وانكفاء البعض الآخر، حتى إن بعض الكتاب ركب موجة التدين، وأخذ يزايد في كتاباته على خطاب وأدبيات التيار المتدين، كانت تلك المرحلة كافية لاختبار صبره وذكائه، وإصراره على نشر رواية “الحمام لا يطير في بريدة” في تلك الفترة لتعبر عن يقظته لخطورة ذلك التيار على الثقافة، وعلى المجتمع عموماً، لما يحمله في منهجه ومآلاته من ضياع للجمال والإبداع الفردي والمجتمعي. ولكون أبي إبراهيم يشبه قرص العقيلي اللذيذ والخالي من المواد الإضافية، بقي صامداً متماسكاً بنسقه ومبادئه، ولم يتقلب ولم يداهن، وصرف جل وقته لتطوير ذاته وتحسين إبداعه، واستحضار كل جميل وممتع بنكه سعودية يتفنن في كتابتها، وفي سبك حكاياتها، ذلك هو المبدع، وذلك هو العقيلي يوسف بن إبراهيم المحيميد ناشر الجمال ومؤلف الخيال العذب، ليكتب أدباً محلياً، لكن بنكهة عالمية.