لا يومي يخلص، ولا يومك.

مر اليوم الاول من شهر اكتوبر واكتشفت للتو – بعد أن صادفت منشورًا عابرًا – أنّه كان اليوم العالمي للقهوة. مع أنني لست فقط من محبّي القهوة، بل يمكن تصنيفي في قائمة “المدمنين المزمنين” لها، إلا أنّ هذا اليوم لم يضف لي شيئًا جديدًا. ولم يذكّرني بفنجاني الصباحي او الظهري ولا المسائي… ولا حتى ذاك المسمى فنجان “الطوارئ” الذي يأتي أحيانًا قبيل ساعات الفجر لإنقاذ ما تبقى من خلايا الدماغ النائمة. لكن ماهو المغزى من يوم عالمي للقهوة؟ بمعني هل هناك أحد على كوكب الأرض نسي القهوة ليحتاج إلى تذكير سنوي بها؟ اويمكن ان يغير عادته في شرب القهوة ذلك اليوم ،القهوة تعتبر ثاني أكثر مشروب يُستهلك على وجه الارض بعد الماء اي باختصار: البشرية تمشي على رجلين، والمشروبات تمشي على قهوة وماء. طبعًا، سابقًا كنّا نسأل العم “Google” عن مثل هذه الأمور المحدثة ، لكنه حالياً فقد رشاقته أمام تلميذه النجيب “ChatGPT” الذي تخطى أستاذه واحتل المنبر. فسألت الأخير لماذا يوم عالمي للقهوة؟ أجابني بكل جدية: “اليوم العالمي للقهوة مناسبة للاحتفاء بالمزارعين، وتسليط الضوء على أهميتها الاقتصادية، ودعم التجارة العادلة ورمز للتلاقي الثقافي بين القارات… إلخ.” هالحكي منيح – على قولة إخوتنا أهل الشام – وما عندي اعتراض، لكن هذا جرّني إلى سؤال أخر: ما قصة هذه الأيام التي تُفرض علينا؟ يوم للقهوة، يوم للشاي، يوم للحب، واخر للعزاب، ويوم للأم… وبالمناسبة، يوم الأم أكثر يوم يضايقني ، وكأننا لا نحب أمهاتنا او نتذكرهم إلا إذا أجبرتنا “الأجندة الدولية” على ذلك! فمن كان يحتاج إلى يوم ليذكّره بأمه؟ فاقول كما قالت العرب قديمًا: “ ثكلته أمه ”. أما يوم الأب… فعادة يمر مثل إعلان قديم ومكرر على التلفزيون لا أحد يشاهده او يهتم له وقد يغير القناة حتى ينتهي الإعلان ، وكأنها مؤامرة عاطفية على الآباء! عموماً ، اغلب هذه الأيام الدولية تعتبر “مواسم تسويقية للتجّار، ومحلات الورود، الهدايا، الشوكولا والحلويات هم أكبر الرابحين. ومع ذلك، تبقى ايام أهون من بعض الأسابيع التي لا يشعر بها أحد: “أسبوع الشجرة”، “أسبوع النظافة”، “أسبوع المرور”. لا يتذكرها إلا الإدارات الحكومية المسؤولة عن تعليق اللافتات ثم إزالتها بعد أسبوع. ولقد تملكني الفضول… فقمت ابحث في قائمة الأمم المتحدة للأيام الدولية. وهناك وجدت العجب العجاب: يوم عالمي للأراضي الرطبة! يوم عالمي للبقول (يعني يوم للاحتفاء بالفول المدمس والعدس والحمص!). اليوم الدولي للتعايش السلمي وكانهم لا يرون الحروب والاضطرابات حول العالم . اليوم العالمي للأخوة الإنسانية.( لا تعليق عندي) اليوم العالمي للضمير (وكأنه عندنا رفاهية في الضمير من اجل ان نحتفل به!). اليوم الدولي للمندوبين (المندوبين لا يريدون يوم. يريدون زيادة العمولات) اليوم العالمي لسمك التونة! (حتى انت يا تونه لك يوم) اليوم الدولي للكويكبات . من سيحتفل بكويكب؟! فعليًا، لو فتحت رزنامة الأمم المتحدة، ستجد ايام السنة كلها محجوزة، ولا تكاد تمرّ 24 ساعة إلا وهناك “يوم عالمي” لشيء ما… من التونة للبقول للكويكبات. للقطط لغيرهم . طبعاً ان لست ضد هذه الايام واعلم انها لم تحضى بدعم هيئات الامم المتحدة إلا لاهميتها الدولية والاجتماعية والاقتصادية ولكن كثرتها أفقدتها معانيها فهل نحن فعلًا بحاجة لكل هذه الأيام؟ وهل غيّرت أوضاع العالم قيد أنملة؟ أسئلة تتردد وتبقى معلّقة، مثل قهوتي الفجرية التي كادت تبرد قبل أن أشربها. لذا كل واحد منا يبحث عن يومه العالمي المفضل له. .