تطبيق إيجار للقرار تجاوز النص.

في خطوة تاريخية تعزز استقرار السوق العقاري وتحمي حقوق جميع الأطراف، أصدر مجلس الوزراء يوم الخميس 25 سبتمبر 2025م قراراً يقضي بإيقاف الزيادة السنوية للقيمة الإيجارية للعقود السكنية والتجارية في مدينة الرياض لمدة خمس سنوات. قرار حكيم لم يأتِ إلا بعد أن بلغ تضخم الإيجارات حداً أرهق المستأجرين وأثقل كاهلهم، إذ شهدت السنوات الأخيرة زيادات غير مبررة دفعت كثيراً من الأسر والتجار إلى البحث عن بدائل أو إغلاق مشاريعهم الناشئة، ما انعكس سلباً على الاقتصاد الوطني. واليوم بهذا القرار الحكيم جعلت الدولة - أعزها الله - المستأجر الطرف الأقوى، إذ بات له كامل الحرية في الاستمرار أو الإخلاء دون قيود، ومنعت في الوقت نفسه بعض الملاك من الاستمرار في قاعدة “هل من مزيد” التي لا تراعي القدرة المالية للمستأجر، فكان القرار بحق تطبيقاً عملياً للحديث النبوي: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”. غير أن نجاح هذا التوجه لا يكتمل ما لم تُعالج ثغرات منصة “إيجار”، الأداة الرقمية الرئيسة في ضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر. فرغم أهميتها في تنظيم السوق، ما زالت المنصة تواجه تحديات واقعية تحتاج معالجة شاملة، وإلى جانب ذلك طرأت عند محاولة تسخير المنصة لتطبيق القرار إشكالات عدة أفضت إلى ارتباك في المشهد وخلقت فوضى إجرائية لدى الوسطاء. ومن أبرز ما ظهر أن خيار التجديد التلقائي للعقود يُفعل في معظم الأحيان افتراضياً عند التسجيل، فيجد المستأجر السابق نفسه أمام عقدٍ مجددٍ دون تأكيد صريح منه، بل إن بعضهم قد أخلى العقار فعلياً منذ أكثر من ثمانية أشهر، والطامة الكبرى حين تُصدر المنصة عقداً جديداً باسم مالك سابق رغم انتقال ملكية العقار إلى آخر، مما يفتح باب النزاعات ويضعف حجية العقد أمام القضاء. ولهذا قد يكون من الأنسب إبقاء خيار التجديد التلقائي مفعلاً، مع جعل إصدار العقد مسؤولية الوسيط العقاري، لكونه الأعلم بالعقارات المتاحة والمستأجرة وبقاء المستأجر السابق في العقار من عدمه، والأدرى بانتقال الملكية أو ثباتها، وبقاؤه مسؤولاً عن الإصدار يضمن المقابل المالي المستحق للمنصة بدلاً من تحوله إلى مديونية على المالك بسبب التجديد الآلي الذي قد لا يكون في محله الصحيح. كما برزت مشكلة أخرى تتعلق بتكرار الرسائل التي تطلب من المالك تأكيد بيانات العقار عند قيام الوسيط بتعديل أي متطلب مثل العنوان الوطني أو عمر العقار أو إضافة وحدة لم تُضف من قبل، والمفترض أن تُجمع المعلومات وتُرسل في رسالة واحدة عبر الوسيط توفيراً للوقت والجهد وتسريعاً للإجراءات. وثمة إشكالية أخرى بالغة الأهمية تتمثل في آلية شحن المحفظة المالية؛ إذ تحدد المنصة مبالغ ثابتة مثل 125 أو 200 أو 300 ... ريال، فلا يستطيع الوسيط أو المؤجر إدخال مبلغ مخصص حسب حاجته. وكم من وسيط اضطر إلى شحن أكثر مما يحتاج، فتجمدت مبالغ صغيرة بلا فائدة ولا سبيل لاستعادتها، ومع تراكمها تتحول إلى عبء محاسبي على المكاتب العقارية. ويظل من الملاحظات كذلك تحويل الدفعات مباشرة إلى المالك متجاوزة دور شركات إدارة الأملاك. وهذه الشركات التي يفترض أن تدير أملاك الغير مالياً وإداريًا وجدت نفسها أمام نظام يُربك حساباتها ويضعها في موقف محرج مع الملاك والمستأجرين، بينما يمكن حل ذلك بخيار يتيح تحديد طريقة الدفع: إلكترونياً للمالك أو عبر الوسيط المفوض، بما يحفظ الشفافية والدقة، كما هو الحال في العقود التجارية. كما أن العقود الورقية القديمة ما زالت تمثل عائقاً، فبعض الملاك لديهم مستأجرون قدامى بعقود فقدت مع مرور السنين، وعندما يحاول المالك توثيقها إلكترونياً يرفض بعض المستأجرين، فيضطر المالك للجوء إلى القضاء الذي يطلب إثبات حالة تعاقدية من المنصة، بينما تشترط المنصة وجود عقد ورقي مفقود أصلاً، فيضيع الحق بين شرط ونظام. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، إذ يواجه الوسطاء صعوبة حقيقية في تحصيل عمولتهم المستحقة. فرغم أن النظام ينص على حفظ حقوق أطراف العملية الإيجارية: المؤجر والمستأجر والوسيط، إلا أنه لا توجد آلية مباشرة داخل المنصة أو عبر محكمة التنفيذ لتحصيل حق الوسيط، حتى لو كان زهيداً لا يتجاوز 500 ريال، فيضطر لرفع دعوى في المحكمة العامة، فيخسر وقته وجهده أضعاف المبلغ المتنازع عليه. وتبرز عقبة أخرى في تحديث بيانات هوية المستأجر، وبخاصة الوافدين، حيث تقتصر الصلاحية على المستأجر وحده، بينما يحتاج مكتب الوساطة أحياناً إلى تحديثها لإتمام التجديد أو غيره من الإجراءات، ولا يملك سوى انتظار المستأجر الذي قد يتأخر أو لا يتقن التعامل مع المنصة، فتعطل المعاملات وتتأخر الإجراءات، ومن المناسب أن تُضاف أيقونة التحديث في صفحة المنشأة كما هي في صفحة المستأجر. أما أيقونة “العقود الجاهزة للتجديد” فما زالت مشكلتها قائمة، إذ تعرض جميع العقود بلا تمييز، فيضطر الوسيط إلى البحث بين قوائم طويلة، في حين أن الحل يسير بإضافة خاصية فلترة تُظهر العقود القريبة من الانتهاء في غضون (60) يوماً فقط، وهو ما يوفر الوقت وييسر العمل. إن هذه الملاحظات، مع تفصيلها، لا تنتقص من قيمة منصة “إيجار” ولا من الجهد المبذول في تطويرها، لكنها تمثل دعوة واضحة وصريحة إلى هيئة العقار لمراجعة هذه الثغرات ومعالجتها، حتى يكتمل الأثر الإيجابي لقرار مجلس الوزراء، ويصبح سوق الإيجار في المملكة نموذجاً في التنظيم والعدالة والشفافية، منسجماً مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 ومحققاً الغاية الكبرى: سوق عقاري متوازن، وإجراءات ميسرة، وحقوق مصونة لكل من المؤجر والمستأجر والوسيط.