العلاقات السعودية الصينية.. عقود من الثقة المتبادلة.

كانت البداية في عام 1990 حينما دشنت العلاقات السعودية الصينية رسمياً، ولكنها فعلياً قد بدأت قبل ذلك بأعوام، وذلك في أشكال من التعاون العسكري وصفقات السلاح. اليوم تتجه العلاقات السعودية الصينية نحو مزيد من التعمق أكثر، إلى درجة التبادل الثقافي والسياحي بين البلدين. على الصعيدين السياسي والاقتصادي شكّل التعاون بين الدولتين أنموذجاً في شكل العلاقة المتنامية، فالكثير من الصفقات الاقتصادية والاستثمارية تجري اليوم مع الصين بصورة مطّردة باتت فيها الشركات الصينية من أبرز المتواجدين الأجانب في المملكة في مجالات: البناء والتقنية والطاقة والصناعة. وفي السياسة كانت الصين الراعي الأكبر والضامن لالتزامات إيران مع عودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين المملكة. أما على صعيد التعاون الثقافي فقد اتخذت أشكال التبادل الثقافي بين البلدين مسارات متقدمة جداً، وقد مثّل مركز البحوث والتواصل المعرفي أبرز أيقونات ذلك التبادل، ومحطة ثابتة لكافة الوفود الصينية التي تزور المملكة. كما تعمق ذلك التبادل أيضاً بإطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان والتي تستهدف تشجيع دراسة اللغة العربية في الصين، وتقديم جوائز على أفضل الأعمال المنجزة في دراسة اللغة العربية وآدابها وأبحاثها. كل هذا إلى جانب القفزة الحاصلة في مجال الترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، فضلاً عن قرار تدريس اللغة الصينية في المدارس، حيث بدأت عدد من المدارس فعلياً في تدريس اللغة الصينية؛ تمهيداً لتعميمها في بقية مدارس المملكة. ولا يقتصر الأمر على أشكال التعاون الحكومي رفيع المستوى في تلك المجالات فحسب، بل إن أعداد السياح الصينيين في زيادة سنوية، وتستهدف المملكة عدد 5 ملايين سائح صيني بحلول 2030. فضلاً عن السياح السعوديين، في الصين والتجار الكثر في المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذين يترددون على الصين بغرض التجارة والسياحة، وكذلك الطلاب السعوديون المبتعثون في جامعات الصين. في الصين هناك عشرات الجامعات الصينية التي تدرس اللغة العربية وآدابها، وقد بلغ عدد الجامعات التي تقدم تخصصات في اللغة العربية 57 جامعة في عام 2023. تشمل هذه الجامعات أقساماً ومراكز متخصصة في اللغة العربية مثل قسم اللغة العربية بجامعة بكين بالإضافة إلى برامج في الجامعات التي تُعنى بالدراسات الأجنبية. تتخصص الجامعات الصينية الرئيسية في اللغة العربية في برامج دراسات عربية متقدمة، بما في ذلك بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، مع التركيز على اللغة والأدب والدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط. يعد قسم اللغة العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين (BFSU) من أبرز الجامعات الرائدة في هذا المجال، حيث تقدم برامج أكاديمية متنوعة في اللغة العربية وآدابها، وتقدم منح دراسية متخصصة ومراكز بحثية مرموقة. كما توجد برامج أخرى في جامعات أخرى مثل جامعة الدراسات الأجنبية بقوانغدونغ (GDUFS). حين ننظر من زاوية أبعد على خمسة وثلاثين عاماً من العلاقات بين البلدين سنجد أن التعمق والانسجام بين البلدين يتنامى بشكل تراكمي، مما يرسم صورة مثالية لأشكال التعاون الدولي والانسجام المؤسساتي بين دولتين، خصوصاً مع الكثير من التشابه بين مجتمعين شرقيين يشتركان في الكثير من القيم الإنسانية المتشابهة.