عباءة أمير البيان.

تعدّدت الوقائع، وتنوّعت الروايات، واختلفت الأماكن والمشاهد، وتكرّر حدوثها مرّةً في الصحارى، وأخرى في الوِهاد، وثالثةً في الجبال؛ وكلّها تدلّ على رواقٍ من الأمن ممدود، بحبلٍ من الله وحبلٍ من الحكومة، يمتدّ من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، في مساحة شاسعة تكاد تشبه القارّة. هذا كلّه في العهد الزاهر الآمن، عهد ابن سعود، العهد الذي يُضرَب به المثل، ويتحدّث عنه القاصي والداني، والغربي والشرقي، والعدوّ والصديق، والكاتب والأديب والعالِم والرحّالة. يصف أمين الريحاني الأمنَ بعد خروجهم من الرياض إلى نجد مرورًا بالقصيم، فيذكر أنّهم وجدوا جملاً وعليه زاده ولم يتعرّض له أحد، وقال له رفاقه: “لو بقي هذا الجمل عشرة أيام لما مسّه أحد”. وكذلك الأديب الرحّالة محمّد شفيق، في طريقه إلى حائل، وجدوا كيسًا ساقطًا أو مرميًّا على الأرض، ولم يمسّه أحد، ولن يمسّه أحد – كما فهم من أصحابه في الرحلة – خشيةً من ابن جلوي، وهو من أمراء ابن سعود. وسقطت عباءةُ أمير البيان شكيب أرسلان أثناء صعوده إلى الطائف خارجًا من مكة، فكانت تلك العباءة السوداء كالثعبان يتحاشاها الناس ويتخطّونها خشية الملامة أو الاتهام؛ وذلك علامة الأمن والعدل في عهد ابن سعود. قالوا: “إنّ الأمن في زمن ابن سعود خيّم تخييمًا تامًّا على جميع البلاد، وإنّ الدماء والثارات كلّها انقطعت”. والأديب الساخر والرحّالة الماكر المازني يصف طريقهم بين جدة ومكة حينما سقطت عصاه، فبحث عنها، فقالوا له: “اطمئن، ستصل إليك”، فذكر أنّ ابن سعود أرسى الأمن بالحزم وقطع يد السارق، حتى بلغ الأمر أن لا يأخذ أحد شيئًا من الأرض. إنّ الحالة العامّة تلد حالات متشابهة؛ فالحمد لله على نعمة الأمن والأمان، إذ ينام الناس ملءَ جفونهم . وخمسة وتسعين دعوة نرفعها لربنا بأن يحفظ ولاة أمرنا وبلادنا . آمين .