كلماتنا ظلال أعمارنا !

كلماتُنا هي ظلالُنا، أعمارٌ تتحرّك معنا وتنبض بالحياة، تعبّر عن ذاكرتنا في حقبٍ مختلفة. وفي زمن الرقمنة والذكاء الاصطناعي، ظهرت كلمات جديدة قد تُزيح بعضًا من تلك المفردات القديمة التي عرفناها في أفياء المنازل والحارات وملاعب الكرة الترابية ومع ذلك، تبقى الكلمات القديمة جزءًا من ذاكرة نابضة، إذ تمنحها الحياة وهجها المستمر. وليس من المعقول أن نسأل شابًا وُلد في عصر الإنترنت عن كلمات مثل: أزَّى (بمعنى أسقى)، أو رمضة، أو قايلة، وبعضها فصيح، وكانت جزءًا من قاموس جيلٍ عاش زمنًا مختلفًا. في المقابل، هناك كلمات قديمة ما زالت حاضرة حتى لدى من هم في الخامسة عشرة من أعمارهم، لأنها ارتبطت بسلوكيات وممارسات وذائقة تتوارثها الأجيال؛ خذ على سبيل المثال كلمات من قبيل: دمح (أي صفح وعفا)، أو كلمة طرقي (أي مسافر)، لكثرة ما تدرّج على ألسنة الناس. تبقى الكلمات في النهاية رهينة استخدامها والحاجة إليها؛ ومهما تطوّرت الحياة فإن اندثارها لا يعني زوالها، لأنها ستظل حاضرة في الأدب والشعر والموروث، ولا يزال البعض يتداولها. أتذكّر أنّني ذات يوم كنتُ أقرأ نصًا شعريًا نبطيًا، فاستغرب صديق من بعض المفردات وسألني: هل لا تزال هذه الكلمات متداولة؟ فقلت له: حين أكتب قصيدتي لا ألتفت إلى ذلك، لأن النص بطبيعته يختار مفرداته بحسب ما يخطر للشاعر، ولا شك أن للبيئة أثرها؛ ولهذا نجد دخول مفردات لم تكن مألوفة في أزمنة سابقة. ولعلّ أجمل ما في الشعر أنّه حفظ لنا كثيرًا من تلك المفردات، ولم يسمح لرياح التغيير أن تدفنها. ومع ذلك أؤمن بأن تطوّر معجم الشاعر أمرٌ مطلوب، وأنّ لكل حقبة سماتها الفنية. أتحدّث أحيانًا مع أبنائي بكلمات كانت من صميم أحاديث الأقران، فيتساءلون عن معناها، وربما تأخذهم نوبة من الاستغراب. وفي المقابل، تجد لديهم كجيلٍ جديد كلماتٍ مطبوعة بروح عصرهم التقني بامتياز، يتداولونها بينهم في أحاديثهم اليومية، من قبيل: ترند وفلو وغيرها. هنا أزداد يقينًا بأن الكلمات تمثّل ظلالًا لأعمارنا، ولعلّ معجم الإنسان وحده يكفي ليُعرّفك بالعصر الذي ينتمي إليه!