جامعة الرياض للفنون .. والتحولات الثقافية .

شهدت المملكة العربية السعودية تحولاً ثقافياً استثنائياً يجسد قصة الانتقال من الهامش إلى مركز الصدارة. ففي العقود الماضية، كانت الممارسات الفنية تعيش على هامش الاهتمام المجتمعي، حيث اقتصر وجودها على انشطة لبعض النوادي الرياضية وفروع جمعية الثقافة والفنون ومن خلال حصص مدرسية محدودة دون أن تحظى بالاعتراف الكافي. أتذكر شخصياً كيف حاولنا في تسعينات القرن الماضي مع مجموعة من الأصدقاء إنشاء معهد للفنون، لكن الحلم واجه تحديات كبيرة في ذلك الوقت، مما يعكس طبيعة المرحلة التي كانت تشهد فيها الحركة الثقافية تحركاً بطيئاً ضمن مساحات محدودة. خلال السنوات العشر الاخيرة بدأت ملامح التحول تظهر عبر مبادرات أهلية رائدة في ظل تشجيع حكومي جاد . ولعل تجربتي الشخصية مع معهد “البيت الموسيقي” مثلت محطة مهمة في هذا المسار، حيث نجحنا مع بعض المهتمين في الحصول على أول ترخيص رسمي في السعودية لمعهد متخصص في الفنون الموسيقية، ليتطور لاحقاً إلى أكاديمية تمنح دبلومات معتمدة. كل هذا جاء مع الانعطافة الحقيقية و الرؤية الوطنية الطموحة 2030 التي حولت القطاع الثقافي من نشاط هامشي إلى استراتيجية وطنية شاملة. ذلك التحول لم يعد مقتصراً على الجوانب الفنية فحسب، بل امتد ليشمل منظومة متكاملة تجسدت في طفرة عمرانية غير مسبوقة، حيث اطلقت مشاريع المسارح العالمية والأكاديميات المتخصصة ودور الأوبرا التي ستصبح لاحقا معالم ثقافية وطنية بارزة. كما شمل التطوير الجانب التعليمي عبر إدخال مناهج متخصصة في الفنون وإنشاء معاهد معتمدة، إلى جانب تأسيس كيانات مؤسسية متخصصة أعطت القطاع الثقافي إطاره النظامي والمهني. ويمثل إعلان إنشاء جامعة الرياض للفنون مؤخرا تتويجاً لهذه الرحلة، حيث يحول الأحلام التي كنا نسعى إليها منذ عقود إلى واقع ملموس. لقد تحولت الثقافة من مجرد نشاط هامشي إلى قوة اقتصادية ووسيلة لتعزيز الهوية الوطنية وجسر للتواصل الحضاري. هذه الرحلة الاستثنائية تثبت كيف يمكن للإرادة السياسية المدعومة برؤية واضحة أن تحول التحديات إلى فرص، وتضع المملكة في مصاف الدول الرائدة ثقافياً على الخريطة العالمية.