
أهداني سعادة اللواء المتقاعد عبدالعزيز بن عبد ربه الحازمي آخر اصداراته، إذ صدر له من قبل ستة كتب. وقد عرفته من خلال ترددنا على صديقنا الشاعر والناشر الأستاذ عبدالرحيم الأحمدي بدار المفردات للنشر منذ ما يقرب من عشرين سنة. نعود إلى كتاب الحازمي (من ذكريات الماضي)ط1، 2025م الصادر من دار المفردات يتكون الكتاب من خمسة أبواب: الأول (المسيجيد المنصرف). الثاني عن سيرة والده والطب الشعبي وهو الأهم وسنعود له. والثالث (لمحة عن التراث)، والرابع (مفردات شعبية)، والخامس من الحنين إلى ماضي الطفولة. سبق أن ألف كتاب (جذور وتراث) دون فيه ما عايشه في بلدته (خرص) وغيرها المسيجيد ووادي الصفراء من عادات وتقاليد وعن قصائد الكسرات ومدرسة الصحراء والطب الشعبي الذي كان يمارسه والده.. لقد حرص على تسجيل ما عايشه في مناطق وادي الصفراء وما حوله، وعن طفولته وعمله مع أهله بالزراعة ورعاية الغنم ثم توجهه للدراسة في مدرسة المسيجيد فالثانوية بالمدينة، واتجاهه للعسكرية، رغم عدم رضى الوالد، وتخرج ضابط أمن وتنقلاته في مدن المملكة وشتى الأعمال العسكرية.. قرأت المقدمة ووجدت مفردتين منقرضتين سمعتهما وغيرهما في صغري وهما: (قرطوع الماء) و(النازية) وكانتا من مفردات القرية بالزلفي والتي لم نعد نسمعها. الفصل الأول عن المسيجيد ومدرسة الصحراء التي بدأت من عام 1365هـ وخرجت عدداً من المسؤولين فيما بعد وبالذات في سكة الحديد مع بداياتها. إذ بعثت أول دفعة تخرجت منها عام 1369هـ لأمريكا وعادوا ليستلموا المراكز المتقدمة في سكة حديد الحكومة السعودية وغيرها. وذكر منهم فهد بن زامل الحربي والذي واصل دراسته حتى الجامعة وأصبح من كبار مسؤولي السكة ومن مؤسسي نادي النهضة الرياضي بالدمام، ومن زملائه الذين بعثوا معه لأمريكا: سعود الأحمدي. وعن قصة وصول أول قاطرات السكة من الدمام للرياض في شهر المحرم 1371هـ. برعاية الملك المؤسس وكانت البعثة الصحفية تتكون من: عبدالله عريف عن البلاد السعودية، وحمزة بصندي عن الإذاعة ومحسن بابصيل عن أم القرى، وعثمان حافظ عن جريدة المدينة المنورة. والفصل الثاني بقصة والده: عبد ربه بن محيسن الحازمي الحربي (1323- 1411هـ) الذي يقيم بخرص المسيجيد بينهما النازية (النازية، فيضة واسعة تقع قرب المسيجيد المعروف قديماً بـ (المنصرف) وبداية والده مع التجارة بالمواد الغذائية مع تعلمه القراءة والكتابة لدى الفقهاء قبل افتتاح مدرسة الصفراء، ثم بدأ بممارسة الطب الشعبي وتجبير الكسور والكي والحجامة واعتمد في ذلك على ما يسمعه من غيره ممن سبقه، كل عمله هذا تطوعاً بلا أجر. وقال: «.. ولما كان الوالد – يرحمه الله – قد ألم بالطب الشعبي ومعرفته بالأمراض، وخبرته بمعالجة بعضها في زمنه ونبوغه فيها، أصبح معروفاً لديهم من خلال الدعاية له في حدود منطقته من خلال قصص علاجه للمرضى والتي تداولها الناس فيما بينهم» ص39. قال إنه سأل والده عن خبرته فأجابه : «العلاج النافع بصر وبصيرة من رب العباد» وهذا يذكرني بالطبيب الشعبي إبراهيم الرحيمي (1291- 1391هـ) الذي ذهب للبصرة وتعلم في سوق الوراقين بالبصرة وتعرف إلى أطباء من تركيا واليونان فتعلم على أيديهم وعرف منهم أسماء الأعشاب وطرق استعمالها والأنواع السامة منها، كما تعلم خلط الأعشاب والتطبب بها كما تعلم إعطاء الحقن والتطعيم ضد الجدري، وخلع الأسنان.. عاد إلى بلده شقراء فالرياض واشتهر وقيل إنه قد عالج (الشيوخ) بقطرة للعيون وأعشاب للجهاز الهضمي وغيرها. قال عنه الدكتور عبدالله العثيمين في لقاء بمجلة اليمامة 2 صفر 1418هـ أنه في سنة 1372هـ فيقول عن سوق الحراج بالرياض : «.. فكثير من أوقاتنا في السوق كانت تمضي ونحن نتمتع بمشاهدة ابن قاسم وهو يحرج على كثير من الأمور بتعليقاته اللطيفة وخفة دمه المشهورة، نجلس بقرب عيادة الدكتور الرحيمي في الهواء الطلق أمام مسجد الجامع ونتمتع بمشاهدة تعامله مع مرضاه وما كان يقوله عن نفسه من أنه يعرف (يشق ولا يعرف يخيط، وأن وصفته الطبية ليست دعوة الخضر ولا مسحة سليمان بن داوود). وكان شلهوب أحد رجالات الملك عبدالعزيز يمر به متجهاً إلى قصر الحكم حيث عمله فيقول للرحيمي: الشيوخ – يعني الملك عبدالعزيز- يمدحون الدواء الذي أعطيتني أمس له، فيتسابق زبائنه من المرضى إلى شراء الدواء الذي لم يحدده شلهوب لتكون دعاية شاملة لجميع أنواع الأدوية، فإذا مر به شلهوب عائداً من القصر قال: يا الرحيمي (إنسها) مذكراً إياه بما عمله له من دعاية «. نعود إلى الطبيب الشعبي عبد ربه وقصته مع حفار الآبار والذي فجر الدنياميت فسقط على رجله حجر فهشمت ساقه فذهبوا به للمستشفى بالمدينة المنورة فقرروا قطع رجله، فذهبوا به لعبد ربه الذي جبر ساقه وحجمه لمدة أربعين يوماً وأصبح يمشي بعد أشهر فذهب لأطباء المستشفى واستغربوا أو طلبوا مقابلة الذي جبر كسره ليتعرفوا على طريقة علاجه. وذكر قصصاً كثيرة منها من كانت ترعى الغنم بالقرية فتعثرت بحجر كبير سقط على قدمها وسحق أصابع القدم، فاستعملوا بعض الأدوية الشعبية والتي لم تفد وتورم ساقها، فاستدعوا عبد ربه الذي أحضر أدواته وأدويته فاستعمال الأعشاب لتطهير الجرح، فبدأ بالتخلص من أطراف الأصابع المصابة والتالفة وذلك بواسطة مشرط، وطلب من أمها قص شعر من رأسها (أي ضفيرتها) وإحضار الشعر بعد تطهيره بالماء ومادة العرعر قبل بدء الخياطة. فأحضر إبرة خياطة ونظف الجرح وجعل الدم ينزف حتى يكون صافياً وخالياً من الشوائب والبكتيريا ثم وضع أدويته ليقف الدم، وبدأ في خياطة الجرح بشعر الفتاة، فطلب منهم الاعتناء بنوع طعامها وعدم تحريكها، ومن خلال مراقبته لها يومياً حتى شفيت وأصبحت ترعى الغنم . ومرة رأى امرأة ترعى الغنم ويتبعها ابنها على ركبتيه ويديه في حوالي الثامنة من عمره فعطف عليه فطلب إحضاره وبدأ بتنظيف ركبتيه بالماء والصابون، فأحضر الأدوية وخلطها ومنها (الكعبر) وعسل النحل وشحم الذئب، ومزج الخليط مع بعض الأدوية وقال لوالدته أن تواصل نظافته وتدليكه بالأدوية لمدة عشرة أيام.. وبعد مرور شهر وإذا بوالد الطفل قادماً يشكره ويقول له أن أخته وعمرها 9 سنوات هي زوجته. فضحك عبد ربه ولكنه بعد عشر سنوات كتب له مذكراً وينتظر قدومه للزواج منها فطلب من ابنه عبدالعزيز – المؤلف- أن يكتب له شاكراً قائلاً: « وفقكم الله لما ترضونه لها.. أما أنا فقد كبرت وأطلب من الله العون والسداد والدعاء من الأصحاب». وغير ذلك من قصص كثيرة . قال إنه يعالج 23 نوعاً من الأمراض وسمى بعضها الحمى الشوكية (أم الروس) والسعال الديكي (القحيقحان) الذي يعالج بلبن الحمارة، والتدرن الرئوي وعلاجها بالكي بين الضلوع والمقروص من الثعابين أو العقارب يتم علاجه بالحجامة وتشريط أماكن القرص وهكذا. وعن علاج أمراض الأسنان وخلع ما يؤلم ولا يرجى علاجه باستعمال (الزرادية). والبعض يسميها (الكلبة)، وبعد خلعه يوقف نزيف الدم بحشو مكانه بمسحوق القهوة. وعلاج اللوزتين لدى الأطفال والتي تسمي في البادية (القرينات) وعلاجه للربو، وألم المفاصل أما علاجه لـ (أبو الوجيه) وهو يسمى بالعصب السابع، وكان يعالجه بوضع لفافة على الوجه ولا يرى من المريض إلا العينين، ويبقى بمكان مظلم ولا يخرج حتى يشفى، إضافة لعلاج الرمد. وكنت أتمنى لو خصص بكلامه عن سيرة والده وطريقته مع العلاج الشعبي وجمعه وخلطه للأعشاب- فهذا الجيل وما يتبعه لا يصدق ما كان عليه آباؤنا من قبل. وخصص الباب الثالث بلمحة عن التراث رغم أنه سبق أن ألف كتاب (جذور وتراث) فقال: «الأمة التي تتخلى عن تراثها لن يكون لها مستقبل.. لأن العالم متصارع بين القوى العظمى لاكتساح الثقافات والقضاء على اللفات وغيرها.. « فلغتنا هويتنا فإذا فقدت ضعنا وضاع مستقبلنا. واختتم بأنواع من القصائد والكسرات من الأدب الشعبي ومما قاله الشاعر: يارب تسقي بدر والخيف والواسطة وأم ذيان خيف الحزامي مقر الكيف وتسقيه من غرا الأمزان يا ناس وين التقي لي خل وافي ولا يبيح باسراره مدة حياته معي ما يزل ما يجازي القلب بافكاره خصص الباب الرابع بمعاني المفردات الشعبية. والخامس بالحنين للأماكن القديمة والإمكانات الشحيحة والرعي والزراعة وبداياته مع مدرسة الصحراء والإجازة الأسبوعية التي يقضيها صيفاً بالنخل بوادي الصفراء حيث العناية بالنخل وجني ثمارها.. الخ .