
تغنَّت العرب بأوطانها، وما زالت، فمنهُم من عبَّر بحُبٍ وانتماء غامر لمسقط رأسه وأصل أجداده، ومنهُم من عبّر عن اشتياقٍ وحنين لأرضٍ سكنتها روحهُ وأهلهُ؛ فَوقفُوا وقوفًا طويلًا على أطلالِ الوطن. تَغنَّى ابنُ الخَطِيبِ بِنجدٍ وهو في رُبوع الأَندلُسِ فقال: يَا أَهِيلَ الْحَيِّ مِنْ وَادِي الْغَضَا وَبِقَلْبِي مَسْكَنٌ أَنْتُمْ بِهِ ضَاقَ عَنْ وَجْدِي بِكُمْ رَحْبُ الْفَضَا لا أُبَالِي شَرْقُهُ مِنْ غَرْبِهِ فالوطن شعور الانتماء الأبديّ؛ دفءُ الأُمّ وأمانُ الأب وتربيةُ الأجداد، هو ضحكاتُ الصَّحبِ، وترنِيمةُ الحُبِّ الأُولى، وانقيادٌ لا شُعُوريٌّ نحو أحلامٍ عظيمة، وشمسِ آمالٍ مُتقدَّة؛ ووطَنُنا من صحرائِهِ ورِمالِهِ الذَّهبيَّة، وجِبالِهِ المُمتدَّة، وهِضابِهِ وسُهُولِهِ، حتَّى تَكوينه المدنيّ والحضاري هو تمثيلٌ لقادتِهِ وأبنائِه؛ صرحُ شموخٍ لا ينكسر، ورمزُ عزٍّ لا يتبدّل، بسواعدٍ مُحبَّةٍ، تنبضُ انتماءً لهذِهِ الأرض. وطن هو مهدُ الرّسالة المُحمدِيَّة وأصلُ الحضاراتِ الإسلاميَّة، واليومَ هوَ نُورُ الشَّرقِ ويَدُ كرمٍ امتَدَّت إلى أبنائها وإلى بلادِ المُسلمين، المنزلُ الأوَّل، وشعورٌ داخليٌّ بالاطمئنان، مكانٌ يَمنحُك الرِّفعَةَ والشَّرف، ويقُودُك نحو العلياء حيثُ يُثمر الحُلمُ مَجدًا يُجمّل العُمر؛ وطنٌ يُهديكَ إِخوةً في كُلِ يابسةٍ وسَهل يُشاركُونك الأفراحَ والأتراحَ، ونافذةُ طُموحٍ لا تُغلق نحو المستقبل؛ وطنٌ يُرافقكَ هواءُهُ في كُلِ أرضٍ تغتربُ إليها فَتحمِلُكَ اللَّهفة إلى أخذِ الوطنِ معكَ من عاداتٍ وتقاليدٍ ومعانٍ أصيلةٍ لا تَنفَكُّ عنك. فـهُنا موطن الثقافة والعقيدة من فنجانِ القهوة حتى رايةِ التَّوحيد.