
استجابة للدعوة الكريمة من وزارة الداخلية للمشاركة في ندوة حوار (الأمن والتاريخ) يوم الخميس 18/سبتمبر ٢٠٢٥م، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني للمملكة فقد ارتأيت الحديث عن ثلاث حوادث أمنية - قبل توحيد المملكة: الأولى: قبل نحو مئتي سنة عند خطف والد جدتي (عبد الله البدر) من قبل قطاع الطرق، ومحاولة ذبحه وشويه لولا عناية الله . الثانية: تعرض والدي عبد الرزاق القشعمي وأعمامي لإخوان «من طاع الله» وهم في طريقهم للرياض لطلب العلم قبل نحو 125 سنة. والثالثة: بعد دخول الملك المؤسس الحجاز، وتعرض الحجاج لاعتداء - قطاع الطرق - وسلبهم بعض ما يحملونه. أما القصة الأولى والتي سمعتها من جدتي لأمي لولوة العبد الله البدر والذي أصبح اسمها بعد الاعتداء على والدها (لولوة العباد) وسمعتها من غيرها وآخرهم حفيده الدكتور حمود البدر أمين عام مجلس الشورى الأسبق. تقول جدتي: إن والدها (عبدالله البدر) قبل حوالي قرنين من الآن، ذهب للبحث عما يمكن جلبه علفاً للماشية فـ (تزهَّب) وأخذ معه بعض التمرات بـ (محثله) وقليلاً من الماء بـ (عكة) وذهب إلى منطقة شرقي جزرة شمال الزلفي - وبها يلتقى جبل طويق ونفود الثويرات - على بعد حوالي ٢٥ كم من بلدته (العقدة)، وكان يهدف من ذهابه إلى البحث عن مكان العشب والحشيش من العرفج وغيره ليتمكن من معرفة مكانه، تمهيدًا لبعث من يحشه ويحضره لمواشيه لقاء أجر معين. وما كاد يصل إلى هناك ويجد العرفج والصبط المغري إلا وتقافز مجموعة من قطاع الطرق (الحنشل) من بين الشجيرات وكانوا (يسبرونه) وينتظرون وصوله على أحر من الجمر، وما أن أمسكوا به إلا وسقطت التمرات التي معه وتقاسموها بينهم بنهم شديد، وخلعوا عنه ثوبه وعلقوا (قرب) الماء على كتفيه وبدأوا يضربونه بالعصي ليسير أمامهم من الصباح الباكر إلى قرب العشاء، وكان يعرف المنطقة أكثر منهم، فيقول إنهم توقفوا بـ (نقرة) بالقرب من عقلة (عشيرة) بنفود الثويرات، شرق عقلة (المنسف) وربطوه وتركوه بحراسة أحدهم وذهبوا لجمع الحطب بالقمرا تمهيدًا لشويه وأكله، وكلفوا من يحرسه بحفر (زبيه) حفرة سيتم إشعال النار بها وإلقاؤه بها حتى ينضج لحمه، وكانوا يسألونه هل لحم الآدمي أحسن أم لحم الحمار ؟ فقد كان عشاؤهم بالأمس حمارًا. بعد ذهابهم لجمع الحطب تكلم معه حارسه، قائلاً: هل لك أولاد؟ قال له: نعم، فرد عليه هل تستطيع الجري لو فككت وثاقك؟ قال ربي سيعينني، ثم أردف لو فككتني ونجوت من هذه المحنة فسوف أغنيك إن الله أغناك، فقال له حارسه البدوي (الحنشولي) سوف أرخي لك الحبل الذي ربطت به وسوف أذهب لأحضر شيئًا لأحفر به الحفرة فإذا رأيتني بعيدًا فاهرب وسوف أناديهم ليلحقوا بك ولو لم أفعل هكذا فسوف يأكلونني بدلاً منك، لاتهامي بالتواطؤ معك، فطلب منه شربة ماء ليبل ريقه، إذ إنه لم يذقه منذ الصباح الباكر، فكلما طلب منهم رشفة مما يحمله لهم من ماء على كتفيه يرفضون بدعوى أن لحمه يخرب إذا شرب الماء. علل رفضه بأنه لو شرب سوف لا يستطيع الجري، المهم أطلق ساقيه للريح كما يقال وعندما وصل إلى رأس الكثيب من الرمل (الطعس) صوت لهم حارسه بأن الحضري (إنحاش) هرب، وأخذ يصرخ ويلطم وجهه ويركض نحوه مثلهم، على ضوء القمر. تقول جدتي: بأن الهواء كان بمواجهته فكان كلما اعتلى رأس كثيب (عرقوب أو طعس) من الرمل أخذ يملأ كفيه من الرمال يقذف به عليهم ليعمي عيونهم مع اندفاع الهواء ناحيتهم، بعد حوالي الساعه سمعوا صوت السانية وحنين المحالة وأصوات مجموعة يغنون أثناء حصادهم الزرع في إحدى العُقل - قرى الزلفي الشمالية ـ وهي المنيزلة فبدأوا بالتراجع، ما عدا من يبحث عن سلامته، والذي وصل فيما يذكر في الهزيع الأخير من الليل وأحد الفلاحين (يغبش) يسني ليسقي نخله قبيل صلاة الفجر، رفع والدها صوته مناديًا بهلع شديد يا عبدالله أنقذني، وكانت آخر كلمة يتذكرها وإذا به يسقط مغشيًا عليه، ركض له صاحب المزرعة يبحث عنه على ضوء القمر، وعندما عثر عليه وجده بين الحياة والموت، بحث عما يستر عورته وتمرة يمرسها لينقطها بحلقه، عل الحياة تعود إليه. لم يجد ما يبحث عنه لشحها ولكنه وجد (رب عكاك) وهو ما علق بـ (العكة) من بقايا السمن أو العسل، حمله إلى داخل منزله، وألبسه ثوبًا إذ أنه كان عاريًا كما ولدته أمه. بعد يومين بدأ يعود إلى الحياة تدريجيًا، فأخذه على حمار إلى (العقدة) حيث أولاده وأخوته يبحثون عنه. بعدها أصبح كثير التعبد ويبقى بالمسجد يدعو الله ويشكره فأطلقوا عليه اسم (عُباد) بدل عبدالله. ولهذا انقسم عدد من الأسرة تدعى العباد والأخرى البدر. وبعد أكثر من مائة وخمسين عامًا عادت الأسرة لاسمها الأول. كان لوالدها (عباد) بستان به أنواع شتى من النخل، وفي كل موسم صرام للتمر يأتي البدوي (الحنشولي السابق) الذي أطلق سراحه بجملين ويحمّلهُما له بأفضل أنواع التمور وغيرها من القمح أو ما يتوافر من قرع وغيره. حاول أبناؤه طرده، ولكن والدهم أقسم عليهم بأنه مازال على قيد الحياة فله الحرية المطلقة بأخذ ما شاء، (فلا يعدل الروح شيء). ولهذا أصبح الآن عندما يريد أحد من أهالي الثويرات أن يدعو على عدوه أن يقول له (يمال بريزة عباد). القصة الثانية: رواها لي العم عبدالله العبدالمحسن قائلًا: إن والدي عبدالرزاق راح يطلب العلم مع أعمامك بالرياض. وأنهم تأخروا في الوصول للرياض مما حمل والدي - الله يرحمهم كلهم - على اللحاق بهم وأنه قد وجدهم بالمجمعة، والكلام ليس بعيداً عن الحقيقة ولكن الصحيح أنهم وبعد خروجهم من المجمعة وقربهم من سدير وكان والدك فوق الجمل الوحيد الذي يحمل أمتعتهم (زهابهم) وأعمامك يمشون خلفه وإذا بـ (إخوان من طاع الله) القوم يهجمون عليهم وحصل إطلاق نار فخاف (جفل) البعير وهرب بأقصى سرعته ووالدك متمسك بالشداد بكل ما يستطيع من قوة وهو لا يدري إلى أين يتجه بعيره، وأخيراً دخل به لـ (هيش) - نخل مهمل - في مدخل المجمعة، وكانوا قبل سفرهم بضيافة الشيخ عبد المحسن التويجري مدير المالية، فوجدوا بعيراً عليه شخص لا يرى (أعمى) فأخذوه لمسؤول المالية فعرفه واستضافه مرة أخرى وأحسن وفادته وأرسل من يبحث عن أخوته ووجدهم قد سلبوا كل ما معهم بما فيها ملابسهم فأعيدوا لرفيقهم، وبعث أحد رجاله للثوير يبشر والدي - عبدالمحسن - بسلامتهم، فذهب والدي لهم وصادف أن وصل المجمعة وقت صلاة الجمعة فوجدهم واطمأن عليهم ورافقهم حتى وصولهم للرياض. القصة الثالثة: يروي أخي عبداللطيف عن والدنا أنه بعد موسم الحج في سنة من السنوات… التي لا يعرف بالتحديد السنة التي ذكرها. [أتوقع أنها قبل توحيد المملكة وبعد دخول الملك عبدالعزيز الحجاز]. كانوا خارجين من المسجد الحرام بعد صلاة العصر وكان والدي معه قائده (عبد العزيز المسعود) وكان يسير بجوارهم جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه – فسأل والدي كيف أحوال حجاج أهل الزلفي؟ فقال له والدي: أمورهم طيبه وعلى ما يرام والحمد لله. ثم يقول والدي: رويت للملك ما حدث معي فقلت له: أننا في أثناء الطريق وعندما وجبت صلاة المغرب قام بعض الحجاج بجمع الحطب للتدفئة بعد الوضوء. وبعد الوضوء جلسنا حول النار كالعادة وكنت وضعت على كتفي «مزويه» تشبه «البشت» مصنوعة كطريقة بيت الشعر ثقيلة وتدفئ أكثر من البشت. وكان أحد قطاع الطرق يراقب الوضع. يسمونهم «الحنشل» فأتى مسرعًا دون أن يراه أحد لأن الظلام قد حل. فقام بخطف «المزويه» من على كتفي واستمر يعدو بسرعة كبيرة، ولم يتمكن أحد من اللحاق به. يقول والدي: فلما أكملت «السالفة» أي القصة التي حصلت أثناء الطريق، كان الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - ممسكاً بعصا من أنواع الخيزران من الحجم الغليظ، وكان يقوم بوضع طرفيها حتى يقترب من بعضها فتكون العصا على شكل دائرة تقريباً. ثم قال لوالدي: «إن شاء الله وفي القريب العاجل سيحج الحاج من أي مكان حتى يصل مكة لا يلتفت خائفاً إن شاء الله». يقول والدي: والله ما هي إلا سنتين تقريباً حتى تحقق ما قاله الملك. وهذا من فراسته وبعد نظره وتفاؤله بالمستقبل بعد اعتماده على الله عز وجل ثم حسن نواياه. الختام: والآن وقد أنعم الله علينا بالأمن والأمان والصحة بالأبدان، وأبدل خوفنا بما نعيشه الآن من رغد في العيش وأمن وصحة بفضل الله تم بما تقدمه الدولة للوطن والمواطن من خير عميم فلنحافظ عليها من الزوال. والسلام عليكم