«باي باي لندن» وفكرة الإعادة.

كثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية تتم معالجتها إمّا عبر الدراما المسرحية أو من خلال المقالات والكتابات المختلفة. وغالبًا ما يكون التطرق لهذه القضايا في وقتها هو ما يمنحها القوة والتأثير، نظرًا لسخونة الأحداث وارتباطها المباشر بالمجتمع. المعالجات قد تكون مباشرة، أو تأتي بأسلوب كوميدي ساخر، بحسب طبيعة الظاهرة. وفي وقتها، تحظى هذه الأعمال بمتابعة وقبول، لكن بعد زوال الظاهرة، تصبح تلك الأعمال أقرب إلى مادة تاريخية، لا معنى لإعادتها في غياب الحدث الذي أُنتجت لأجله. مسرحيتان لعبدالحسين عبدالرضا مركز الفنون للإنتاج والتوزيع قرر إعادة عرض مسرحيتين، كلتاهما من تأليف وبطولة الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، إلى جانب نخبة من الفنانين المسرحيين. المسرحية الأولى، سيف العرب، قُدمت بعد غزو الكويت سنة 1990 على يد النظام البعثي العراقي. كانت في وقتها متنفسًا للكويتيين الذين عانوا من ويلات الغزو، وعملت على رفع الروح المعنوية للمجتمع. إلا أن طلب إعادة عرضها رُفض من قبل الحكومة الكويتية، وهو قرار صائب، نظرًا لأن الظروف تغيرت، والعلاقات بين الكويت والعراق في أفضل حالاتها حاليًا، مما يجعل إعادة العمل أمرًا حساسًا سياسيًا وغير مبرر. “باي باي لندن” وفكرة الإعادة المسرحية الثانية، باي باي لندن، تناولت في زمن الطفرة النفطية ظاهرة سفر الخليجيين إلى لندن وصرف الأموال الطائلة هناك، مع وقوع بعضهم ضحية للنصب والاحتيال، فضلًا عن جهل البعض بثقافة تلك الدول. القصة صُورت بأسلوب كوميدي من خلال شخصية رجل الأعمال جمعة (مستر أفرايدي)، الذي ترك زوجته وابنته في الكويت وسافر بحجة العلاج، ليقع في شباك الخداع مع غيره من العرب. آنذاك، لاقت المسرحية نجاحًا واسعًا في مختلف أرجاء الوطن العربي. لماذا فشلت الإعادة؟ شركة الفنون أعادت المسرحية بطاقم جديد، محافظين على النص والأحداث والأداء كما هي. لكن المشكلة أن الظاهرة التي عالجتها المسرحية لم تعد قائمة بالزخم السابق، وإن وُجدت فهي محدودة ولا تستحق المعالجة مجددًا. إعادة عرض نص قديم بأداء يقلد عمالقة الماضي، دون أي إبداع أو لمسة جديدة من الممثلين، جعل النتيجة ضعيفة. ولو قدم هؤلاء الفنانون نصًا جديدًا يعالج ظاهرة معاصرة، لكان ذلك أرفع لقيمتهم الفنية وأكثر أثرًا في تاريخهم. انعكاس على واقع الدراما الكويتية إعادة مسرحية قديمة بهذه الطريقة تعكس حالة من التراجع في الدراما الكويتية، وفقرها للنصوص الجديدة التي تواكب أحداث المجتمع وتطوراته. كما تكشف عن اعتماد بعض الممثلين على محاكاة الجيل السابق بدلًا من تطوير أسلوبهم وبصمتهم الخاصة. المعالجات الفنية تكون في وقتها أكثر صدقًا وتأثيرًا، لكن استحضارها فقط للتسلية، وبالطريقة ذاتها، هو فشل ذريع منذ الفكرة وحتى التنفيذ.