الحدث المتصاعد في شعر محمد البريكي ..

الحبكة التي تنبض شعراً .

الحبكة مجموعة من الأحداث المترابطــة داخــل فضــاء النص، و تأتي أهميتها  من الدور الحيوي الذي تلعبه في النظام السردي؛ وكيف أنهـا تؤدي وظيفته، فهي التي  تعيد ترتيب الوظائف السردية بتنظيم تراتيبي جديد، عن طريق إعادة ترتيبها في مجموعات مختلفة من التحولات الوظيفية . ومما يمثل الحبكة ذات  الحدث  المتصاعد في شعر مُحمَّـد عبد الله البريكي قصيدته التي تحمل عنوان: ( بدأت مع البحر )، التي تمثل نصاً مسروداً، حمل في ثناياه ألواناً من القص الحكائي، ضمن صورته الشعرية، كما ظهرت فيه القدرة الفائقة للشاعر  في التصوير، وكيف أنه استطاع أن يستحضر الماضي ضمن بنائه السردي، وظهر ذلك جلياً في التعبير عن طفولته الأولى؛ حيث يقول: يَومَ بَشَّرَتِ الدَّايَةُ البَيتَ قَالَت: وَلَد يَقُولُونَ: حَارَتُنَا ابتَهَجَت النِّسَاءُ يُصَافِحنَ أُمِّي وَأُمِّي تَهُزُّ البِشَارَةَ فِي قَلبِهَا ثُمَّ يَسقُطُ عَنهَا الكَمَدْ وَأَبِي ذَلِكَ العَالِمُ الشَّيخُ أذَّنَ ثُمَّ أَقَام الصَّلاةَ لِتَبدأَ رِحلَةَ هَذَا الصَّبِيِّ مَعَ الوَقتِ ثُمَّ كَبِرتُ وَقَلَّمتُ مِنْ غَفَوَاتِي أَظَافِرَ نَومِي كَرَاهِيَّةً حَينَ يَأتِي إِلَي بَابِنَا “البَاص” يَأخُذُ قَلبِي إِلَى المَدرَسَةْ  يُلحظ في النص أن السرد الشعري جاء متسلسلاً من خلال أحداث متتالية ، حيث بدأت هذه الأحداث بالولادة، وما صاحبها من انتشار الأفراح ، حتى عند الجيران بهذا المولود الذكر القادم، ثم يستمر الشاعر في تسلسل أحداث حكايته ، إلى أن يشتد عود هذا الصبي المولود، ويكبر، ويبدأ في شق طريقه في الحياة بدخوله المدرسة.  جاءت الأبيات السابقة في تسلسل شعري أتقن الشاعر  فيه البناء الفني ؛ بمفردات تلاءم دراما النص. ومما يمثل الحبكة ذات الحدث الصاعد في شعر البريكي قصيدة ( غزة.. تنهض كالعنقاء) التي يقول في بعض أبياتها: غّزَّةُ فَينَقٌ يَنهَضُ مِن تَحتَ رِكَامِ المَوتِ وَيَرمِي فِي وَجهِ المُحتَلَّ رَمَاداً غَزَّةُ تَنبُتُ كَالزِّيتُونِ يُضِيءُ وَتُنبِتُ غُصناً آخَرَ صَبراً وَعَتَاداً وَلَهَا يَتَدَفَّقُ نَبضُ الوُجدَانِ وَيَنطِقُ . بدأت القصيدة عبر صوت داخلي في أعماق الشاعر، الذي يتحدث عن نهوض غزة من تحت ركام الموت، ثم يتقدم الشاعر بالحدث خطوة، مبينا  أن غزة، سترمي في وجه المحتل ناراً ورمادا، ويتقدم بالأحداث خطوة أخرى تعبر عن حلم السلام بداخله، وأن غزة ستنبت كالزيتون، صبراً وعتاداً فيتدفق من أجلها نبض الوجدان وينطق. ثم يصل الشاعر بالحبكة إلى ذروة الأحداث، وهي أن القيد لا بد أن ينكسر، وتتحرر فلسطين؛ فيقول في جانب من هذا النص: لَن يَبقَى يَا غَزَّةُ فِي القَيدِ كَثِيراً فَالطَّائِرُ مَلَّ التِّيهَ وَآنَ لَهُ أَن يَخرَجَ لِلمَلَكُوتِ وَيَرفَعَ رَايَةَ هَذِى الأَرضْ وَفِلَسطِينُ سَتَبقَى مِحوَرَهُ وَمَحَبًّتُهُ سِجَّادَةُ شَوقٍ وَخُشُوعٍ وَصَلَاةِ الفَرض . يستمــر الشاعر في رصد الأحداث تصاعدياً؛ وفي أسلوب حواري؛ مبيناً أنه لم يبقى الكثير، حتى تتحرري يا غزة من قيد المحتل، وأن الطائر قد ملَّ التيه والترحــال. ولعله ــ هنــا ــ يشبه بعض أبناء غزة بالطيور المهاجرة في كل أصقاع الدنيا؛ هرباً من جحيم المحتل، وويلاته، فقد آن لهذا الطائر أن يخرج للملكوت، ويعـــود لوطنـــه رافعاً راية فلسطين، التي ستبقى محوره، وهي كذلك محبته التي شبهها بسجادة الشوق، والخشوع، متمسكاً بها كصلاة الفرض، ويُلحظ أن القصيدة قد سارت وفق نظام سردي متصاعد، أراد الشاعر خلاله أن يصور واقع فلسطين، وواقع العرب بأسلوب أدبي. ومن القصائد التي تمثل الحبكة ذات الحدث الصاعد في شعر البريكي؛ قصيدة ( وجهة الحالمين ) ، التي تعدّ لوحة  من صور أحداث الزمن في وطن الشاعر، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت بالحلم، وما آلت إليه أحوال الإمارات من النهضة، فهذه القصيدة تشير إلى الواقع المضيء، الذي عاشه، ومازال يعيشه أهل الإمارات، حيث يقول: رَفَعنَا الأَمَانِي عَلَى السَّارِيَهْ  لِأَجلِكِ يَــا أَرضُ، يَــــا غَالِيَهْ صَعَدنَا إِلَى الأُفقِ، قَلنَا لَهُ:  بِلَادُ العَطَـــا لَــــم تَعُــــدْ خَالِيِهْ إِلَى كَوكَبٍ لَونُهُ كَالخِضَابِ  سَتَسكُنُــــــهُ هِمَّــــــــةٌ عَالِيَــــــــهْ . في هذا النص  اتجه الشاعر إلى استحضار هذه القصة ، في قالب قصصي للتعبير عن واقع؛ وماضي الإمارات الآن، وقد استخدم الشاعر السارد ضمير المتكلمين ( نا )؛ في ( رفعنا، وصعدنا )، في بناء الأحداث، إذ كانت الأحداث المتتابعة، والمتصاعدة مرتبطة بهذا الضمير، وهذا يؤكد أن الشاعر جزء من هذه الأحداث، يؤثر، ويتأثر بالعوامل الخارجية، فهو كائن يعيش بعض مراحل الأحداث.  بدأ الشاعر بالحدث الأول، وهو أماني، وطموحات أمته في هذه الأرض الغالية، وبين أن هذه الأرض لم تعد كما كانت خالية، ويستمر الشاعر في شحن الأحداث بضمير المتكلم، فيقول: نَقُـولُ لِأَحلَامِنَــا وَهـيَ تَمشِـــي عَلَى غَيمَةٍ فِي تُخُومِ السَّمَاءْ: نَبَتنَا مِنَ الأَرضِ حَتَّى كَبِرنَــــا وَفِــــــي الأَرضِ مُتَّسَــــعٌ لِلنَّمَـــــاءْ وَمَن يَتَأَمَّــلْ يَـرَ الأَرضَ تَنمُو ثِمَــــاراً وَنَخــلاً وَحُبَّــــاً وَمَــــــاءْ لَقَد بَثَّ ( زَايِدُ ) فِيهَا الحَيَـــاةَ وَأَيقَظَهَــا مِن سُفُــوحِ السُّبَـاتْ وَسَوَّرَهَــــا بِالأَمَــــــــــانِ فَعَاشَت عَلَـى السِّلـمِ وَالحُبِّ وَالأُمنَيَاتْ وَلَمَّــا تَرَجَّـــلَ، قَامَت تُغَنِّـــــــي: تَعِيشُ بِخَيـــرِكَ هَذِى الجِهَــاتْزز و وَجَــــاءَت إِمَارَاتُهُ لِلكَرِيــمِ الـــ ــــوَفِيِّ المُحِبِّ المُوِدِّ ( خَلِيفَهْ ) . ذكر الشاعر  فـــي بدايـــة قصيدتـــه السابقـــة، أن النهضة بدأت بحلم يسعـــى إلــى تحقيقــــه أهـــل الإمـــارات، ثـــم ينتقـــل الشاعــــر فـــي ســــرده إلــى الحــــدث الصاعــــد الآخـــر، وهو أن أحلامهم وصلت عنان السماء، ورسخـــت أقدامهــــم فـــي هــــذه الأرض التـــي نبتــــوا فيهـــــا فــــي كبريـــــاء، ثم بدأت النهضــة والنمـــو، وفـــي هــــذه الأرض التـــي امتـــلأت ثمـــاراً ونخــــلاً ومــاء، وقد كان ذلك بفضــــل ( زايـــــد ) الذي بث الحيـــــاة والروح فيهـــــا، ونهض بهـــــا مــن السفـــح إلى القمة، وسوّرها بالأمن والأمان، فعاشت في سلم وحب، وأمنيات بغد مشرق ، وقد حرص الشاعر على إظهار صورة أشد واقعية، وهي ترجل ( زايد ) وإن كان برغم ترجله ظل خيره يعم كل الجهات، فجاءت الإمارة من بعده لهذا الكريم الوفي المحب والودود ( خليفة ).  ونلحظ أن  النص سار من بدايته إلى نهاية؛ وفق نظام سردي تصاعدي، أراد  من خلاله الشاعر أن يصور مرحلة تأريخية معروفة بأسلوب أدبي، يعكس من خلاله نهضة الإمارات .