تعليقاً على مقال الوابلي ..

الحوار الحضاري بين الفكرة والممارسة .

في عالم يزداد تعقيدًا وتنوعًا وفي زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والثقافية يصبح الحوار الفعال والانفتاح أكثر أهمية من أي وقت مضى وهنا يبرز دور «مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري» كمشروع وطني يجسد تطلعات «المملكة العربية السعودية» نحو بناء مجتمع اكثر انفتاحًا وتسامحًا من خلال توفير بيئة ملائمة داعمة للحوار بين افراد المجتمع وكافة طوائفه ومكوناته، فهو يعترف بوجود الاخر لا كمجرد صوت مختلف بل كفاعل له حق المشاركة والتأثير مما يعيد هندسة الفضاء العام ليكون تعدديًا يتيح للكل أن يٌعبر عن رأيه دون تهميش أو خوف وبذلك أصبح «المركز» منصة للانفتاح المتزن ومختبرًا حيًا لإنتاج الحوار الصادق وتوسيع دوائره ليكون مركزًاً للتواصل الحضاري لا يقصي أحدا ولا يجمل الواقع بل يعيد تشكيله بصورة أكثر إشراقًا وأبهى تألقًا . فلم يكتفِ بحوارات النخب بل تجاوز ذلك ليصل إلى الفئات الأخرى من النساء والشباب والمقيمين كما أنه لم يغفل البعد العالمي للحوار الحضاري حيث ركز على ربط الداخل السعودي بالسياقات الدولية التي تعزز من قِيَم التعددية والتفاهم بين الثقافات فأنتج خطابًا سعوديًا حضاريًا نحو الآخر، وقدم نموذجًا إنسانيًا للتعايش والتنوع فظهر المجتمع السعودي كفاعل إيجابي في المشهد العالمي وقد جاء مقال «الأستاذ عبدالله الوابلي» ليؤصل مفهوم «الحوار الهادئ الذي لا يقصى الاخر» المنشور في مجلة اليمامة الغراء بتاريخ 4 سبتمبر 2025م مستنداً إلى مرجعيات فكرية وإنسانية ومعتمدًا على مفاهيم فلسفية عميقة مثل «الانحياز التوكيدي» و»الذات الحوارية» وهي مفاهيم مهمه لتفكيك آليات الاقصاء والتعصب. وبناءً على ما ذكره «الاستاذ الوابلي» فقد يكون الاخر مختلفًا دينيًا، أو مذهبيًا، أو ثقافيًا، أو اجتماعيًا ليصبح للحوار هدفًا أسمى من تبادل الحجج وتقاذف الاتهامات، بل للتعرف على ما لدى الآخر – بحسن نية - ووضعها في سياقها التاريخي الصحيح. وقد أكد «ابن خلدون» على أهمية الفهم والوعي والمناقشة وأن يكون الهدف من ذلك الوصول للحقيقة لا التضليل وحب الانتصار و «القرآن الكريم» يزخر بأمثله عدة من الحوار الراقي منها حوار «الله تعالى» مع ابليس حين «قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ» الآيات 14و 15 -سورة الأعراف. وتوجيها نحو هذه المبادئ الربانية السامية التي تؤكد على أن الحوار ليس مجرد وسيلة للتفاخر بين الأفراد والطوائف والشعوب، بل هو عملية واعية لفهم واستيعاب ما لدى الاخر لأجل بناء جسور التفاهم والتعاون لخلق بيئة إيجابية مثمرة في عالم يتسم بالتغير المستمر والتحديات المتزايدة لذا قام «مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري» بإنشاء «أكاديمية التواصل الحضاري للتدريب» والتي تعتبر الذراع الاستراتيجي للمركز لنشر ثقافة الحوار من خلال البرامج التدريبية وورش العمل النوعية لتعزيز ثقافة الحوار والتواصل بين المجتمعات الإنسانية، ولتحقيق مستهدفات «رؤية السعودية 2030» حيث قدمت مشاريع نوعية بالشراكة مع الجهات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص لدفع عجلة التنمية وتعزيز قيم الوسطية، والتسامح والاعتدال كما أسهمت «الأكاديمية» بصناعة مجتمع المعرفة والاستثمار في رأس المال البشري من خلال عدد من المشروعات كالحوار الفكري والمجتمعي وسفراء حوار الوسطية؛ وفي إطار نشر ثقافة الحوار وتعزيز التواصل بين المجتمعات الإنسانية بنت «الأكاديمية» شراكات ومشروعات وثيقة مع منظمات عالمية مثل «منظمة اليونسكو» و « منظمة الإيسسكو» وغيرها من المنظمات العربية والإسلامية الإنسانية الأخرى. وبناءً على كل ما ذكر – آنفًا - يبقى الحوار هو قطب الرحى لتعزيز التفكير النقدي والابداعي وتوليد الرؤي، وصياغة رسائل السلام، وحجر الأساس لبناء التفاهم الثقافي وتعزيز التعايش بين المجتمعات المختلفة. وختاماً فإن «مجلة اليمامة» بما تقدمه من محتوى ثقافي وفكري رصين يثري الساحة الإعلامية ويعكس نبض المجتمع السعودي برؤية متزنة وعميقة يجعلها منبرًا رفيعًا للحوار المسؤول ونافذةً واسعة تطل منها الأفكار الوطنية بروح منفتحة على العالم دون أن تفقد أصالتها أو رسالتها كما أنها بهذه المعالجات الإعلامية الحكيمة تشجع على التفكير النقدي الهادف والبَنَّاء.