«ندبة الجرح القديم» لثويني العليوي..

رواية العار والرجولة والانتماء.

هناك جراح يداويها الطبيب، وجراح لا يلمسها إلا الزمن… وربما لا تلتئم أبدًا. “ندبة الجرح القديم” للأستاذ ثويني العليوي رواية تكشف كيف تتحول ضربة طفولية إلى قدر، وكيف يطارد العار صاحبه حتى وهو يظن أنه تحرر منه. قد يلتئم الجرح على سطح الجلد، لكن ماذا عن الجرح الذي يظل ينزف في الذاكرة؟ في “ندبة الجرح القديم” يقدّم ثويني محمد العليوي رواية عن فارس، الرجل الذي عاش نصف عمره أسير لكمة واحدة تلقاها في المدرسة، لكنها كانت كافية لتعيد تشكيل صورته في عيون الآخرين، بل وفي نظر نفسه. ما بين العار الذي يفرضه المجتمع، وفكرة الرجولة المأزومة، والحب الذي ينكسر تحت وطأة التقاليد، تتحرك أحداث الرواية كمرآة صادقة لجرح شخصي يلامس همومًا جماعية. جرح يتسع بمرور الزمن بطل الرواية، فارس، لا يعاني فقط من أثر لكمة متعب التي سال منها الدم، بل من تراكم المعاني الاجتماعية المرتبطة بها: التنمر، اللقب المهين “بشريم”، نظرة أبناء القرية التي تراه غريبًا لأنه نشأ في المدينة. هنا تتحول الندبة من حادث عرضي إلى وسم اجتماعي، يختزل صورة الشخص ويختصره في نقطة ضعف واحدة. الرجولة المأزومة يتجلى في النص صراع واضح مع مفهوم الرجولة كما يفرضه السياق الاجتماعي. فارس يُدان لأنه لم يأخذ بثأره من متعب، ونورة – التي كان يحبها – تعيرُه بعجزه “ العنود يوم أرسلتيها وتقولين إنك ما تبيني لأني ما قدرت آخذ حقي من اللي يشوه وجهي”، ثم تتزوج من خصمه. الرواية تكشف كيف تُبنى الرجولة في بعض البيئات على فكرة الردّ العنيف، وكيف يمكن أن تدمر هذه المعايير علاقات الحب، وتعيد تشكيل مسار الحياة بالكامل. “اضربه اضربه لا تصير رخمة مثل ولد هيفاء”. تعدد الأصوات… تعدد الحقائق اختيار الكاتب لتعدد الرواة (فارس، متعب، نورة، فهد، أبو فارس) ليس مجرد تقنية سردية، بل هو اعتراف بأن الحقيقة في المجتمع ليست واحدة، وأن كل شخصية تحمل روايتها الخاصة للأحداث. هذا التعدد يمنح القارئ فرصة لرؤية الصراع من زوايا متناقضة، ويعمّق إحساسه بالبيئة المتشابكة التي تتحرك فيها الشخصيات. البيئة كفاعل خفي الرواية ليست فقط عن أشخاص، بل عن مجتمع يفرض قوانينه غير المكتوبة: -الديات بوصفها أداة للصلح، لكنها أيضًا تعبير عن سلطة المال. -العنصرية التي ترسم حدود الانتماء بين “أهل القرية” و”أهل المدينة” والدونية “طرش بحر” “عبد” . انتصار بطعم الهزيمة , في النهاية، يكشف فارس زيف شهادة متعب، ويخضع لعملية تجميل لإزالة ندبته، ويتزوج. لكن زواجه من فتاة لا يحبها يفضح أن الانتصار الخارجي لا يضمن الشفاء الداخلي. الكاتب يترك القارئ أمام سؤال مفتوح: هل التخلص من أثر الجرح يعني بالضرورة التحرر منه؟ “في تلك اللحظة التي شعرت فيها بسعادة مغامرة تذكرت تلك الابتسامة التي من طرف واحد فأغمضت عيني” اللغة والبناء لغة الرواية مباشرة وواضحة، بعيدة عن الإغراق الشاعري، وهو خيار يتماشى مع طابعها الواقعي. تقسيم النص إلى أجزاء وتنظيمه الزمني المتماسك يمنح القارئ مسارًا واضحًا، فيما يجعل تعدد الأصوات السرد أكثر حيوية ويكسر أحادية الرؤية. وفي الختام: “ندبة الجرح القديم” ليست فقط حكاية انتقام مؤجل، بل هي دراسة دقيقة في أثر الجراح الاجتماعية على تكوين الهوية، وكيف يمكن لمجتمع صغير أن يحول حادثة طفولية إلى سجن نفسي. إنها رواية عن العار والرجولة والانتماء، وعن أن بعض الندوب تلتئم على الجلد، لكنها تظل تنزف في الداخل قد يزول أثر الندبة عن الوجه، لكن من يزيل أثرها عن الروح؟ في “ندبة الجرح القديم”، ثويني محمد العليوي يحكي كيف يمكن للكمة واحدة أن تحبس رجلًا في سجن العار والذكريات… رواية عن الرجولة المأزومة، والجرح الذي لا يلتئم.