لينين ذلك المسكين!

وجد المفتشُ في مطار موسكو تمثال (لينين) في أمتعة أحد اليهود الرُّوس المهاجرينَ إلى إسرائيل، فسأله: من هذا؟! فردَّ عليه اليهوديُّ: هذا (لينين) مؤسس الشيوعيَّة، وباني روسيا الحديثة، وتخليدًا لذكراه أصطحبُه معي، فتأثَّر الموظَّفُ وسمحَ لهُ بالمرور، وعند وصوله مطار تل أبيب سأله موظَّف التَّفتيش عن التمثال فأجاب: هذا (لينين) المجرم المجنون! أصطحبُه معي؛ لألعنه!! تأثَّر الموظَّف الإسرائيليُّ وسمحَ لهُ بالمرور، وعند وصوله بيته وضعَ التمثالَ في زاوية الغرفة، فسأله أحدُ أبنائه: من هذا؟ فأجاب: هذا (10) كغ من الذَّهب عيار (24) أدخلتُه دونَ جمارك أو ضرائب!! *** قصة اليهودي مع تمثال (لينين) لعبةٌ سرديةٌ تراعي موقف المتلقي، وهي ليست مجرَّد حكايةٍ للفكاهة، بل هي أعمق من ذلك؛ حيث يقوم السَّرد باستدراج المتلقي إلى زوايا كأنَّها فخاخٌ مشتعلةٌ، لقد أظهرت هذا اللَّقطة القصصيَّة تقنيةً خفيةً اصطلح على تسميتها بـ (تعدد وجهات النَّظر)، أو (تعدُّد الرواة)، وهي تقنيةٌ سرديةٌ تقدَّم من خلالها الحادثة الواحدة في الرواية بأكثر من وجهة نظرٍ عبر رواةٍ متلبسينَ بالحادثة المرويَّة. *** وظهرت هذه التقنية في الرواية الفرنسيَّة في ستينيَّات القرن الميلادي الماضي، وشاعت في عالم السَّرد الروائي، ومن أكثر الأمثلة نجاحًا في تطبيقها رواية (الحرب في بر مصر) للروائي يوسف القعيد، وهي روايةٌ صنعت من حادثةٍ واحدةٍ عالمـًا من التَّشابكات السرديَّة بين وجهات النَّظر، من خلال سردٍ متدفقٍ تتقاطعُ فيه وجهات النَّظر حول حادثة تجنيد ابن الفلاح بدلًا من ابن العمدة؛ لنكتشف معها طبقات الفساد بطريقةٍ أخَّاذةٍ سرديًا، ولغةٍ ذات إيقاعٍ ملائمٍ لطبيعة الحادثة، لا إسهاب فيه ولا انكماش، بل قوامٌ رشيقٌ بينهما، فالكاتب نجح في إحداث تقابلاتٍ سرديةٍ مدهشةٍ؛ ليظل النَّص عالقًا في ذهن المتلقي، واستطاع من خلال هذه التقنية أن يشرك القارئ في الحدس وفي بناء موقفٍ من داخل النَّص إلى خارجه!!