صانع الفرح

حديقة الحي الصغيرة، أذهب إليها عادة عندما يكون لدي فائض من فتات الخبز الذي أجمعه من بقايا وجبات الأسبوع، لأنثره للحمام والعصافير..، ضحى هذا اليوم، ذهبت إلى حديقة الحي الصغيرة، جلست على الكرسي الحجري للحديقة، بعد أن نثرت فتات الخبز، نعم، نثرت فتات الخبز الأسبوعي، وبسرعة تجمع الحمام على فتات الخبز، وأيضا، القليل من العصافير، صدقوني..، يجب أن تصدقوني، أرجوكم، أرجوكم أن تصدقوني..، أنني انتشيت كصانع للفرح، نعم، صانع للفرح، ما أعظم أن تصنع الفرح..، الحمام والعصافير فرحون وهم يلتقطون فتات الخبز، فتات خبز..!، أنا والحمام والعصافير فرحون، هل تعرفون ماذا يعني أن رجلا أعزب وعلى مشارف الستين يصنع الفرح..؟!، أردد كل هذا بيني وبين نفسي..، .................... ما أسرع أنفاسي، كأني عداء أولمبي أنهى سباق المئة متر، يقص شريط النهاية بجسده ويرفع ذراعيه فرحا وانتصارا..!، هنا ما يضحك..!، ربما، ولكم الحق أن تضحكوا، رجل على مشارف الستين يشبه نفسه بعداء أولمبي أنهى سباق المئة متر، نعم، لكم الحق أن تضحكوا..، ولكن حجتي قوية، أن ما يبرر لي أني أُشبه نفسي بعداء أولمبي أنهى سباق المئة متر وهو فرحا ومنتصرا، هو أنني صنعت الفرح لي وللحمام والعصافير بفتات خبز..، .................. لن أتكتم عما أشعر به الآن، خفيف، أنا، أخف من ريشة طائر مهاجر، رجل زاهد، أنا، لا حاجة لي بنافذة الغرفة أو بنافذة المقهى ولا بكل نوافذ هذا العالم، ولا حاجة لي بهذيان يصل صداه إلى قمة جبل إفرست، ولا حاجة لي بموسيقى تسحرني سرا وعلانية، ولا حاجة لي بشوارع تزدحم نهارا وليلا..، ولا حاجة لي بحلم يعطل عقرب الساعة، ... يعطل الأشجار، ..... يعطل الريح، ..... يعطل الحمام والعصافير..، ولا حاجة لي بأشياء كثيرة...، .............. لدي فائض من فتات الخبز..!. *كاتب وشاعر سعودي