عن قصة ماري آن إيفانز ..

الكتابة وراء القناع.

قضية تخفي الكاتبة ماري آن إيفانز خلف اسم مذكر، كانت قضية شائكة في وقتها فهي قد ظهرت باسم مستعار كرجل كهنوتي يدعى “جورج إليوت” خشية التحيزات الجندرية ضدها في بيئتها، خاصة في ظل التحفظات المجتمعية ضد الأنثى الكاتبة وما يجبُ أن تكتب عنه وما يعدُ إهدارًا لسمعتها لو تطرقت إليه، حتى لو كان الأدب المعروض يليق ويستحق القراءة. ولكن، وبالرغم من تخفيها، عرض عشيقها ذات مرة الفيلسوف والناقد جورج هنري لويس، والذي كان وحده يعرف هويتها، قصة مدهشة من تأليفها في إحدى أمسياته على ضيوفه، والذين أجمعوا لحظتها على أن القصة هي بكل تأكيد من تأليف “رجل من كيمبردج، واسع الثقافة، متدين وله أطفال”، في حين استطاع المؤلف تشارلز ديكنز التنبؤ بأن خلف النص بلا شك امرأة. أعادني هذا إلى إحدى الروايات المفضلة لدي شخصيًا، والتي عرفت مؤلفتها عن نفسها باسم مستعار، لكن بطبيعة الحال في عالم الاستعارات ثمة ذكر وثمة أنثى، ولا يوجد تأكيد عن هوية واحدة. أذكر أنني تنبأت بحدس قارئ متشوق يعيد قراءة الكتاب بلا مبالغة أكثر من عشر مرات، وأيقنت وقتها من معلومة واحدة: هذه الكلمات أنثوية! ثمة حس طافح فيها يشي بأمرأة وليس رجلًا. إنها أصابع تدق ناقوس خطر يعيشه شخص تحت الضغط وضمن قيود معينة، لها طابع خصوصي وحريمي إن صح التعبير. بعد فترة تأكدت من صحة كلامي من أحد الأشخاص المطلعين على هويتها. لقد صدق حدسي، شعرت بغبطة وانتماء لذلك الحس الذي في داخلي ولم يخيب آمالي. في ظل كل هذا، عرفت لماذا استعانت باسم مستعار، كما عرفت ماري آن إيفانز أن كل ما يُكتب سيقابل بهجوم أقل لو خرج خارج المألوف المجتمعي أو تجاوز أسواره حينما تكون “جورج” وليس “ماري”. وأدركت أن ثمة هبة أو حظوظ مقدرة عندما يكون خلف النص المعروض رجلاً وليس امرأة.