في قصيدة( صرخة) للشاعر السعودي عبد العزيز خوجة ..
معجم التمرد بين انتكاس الحاضر وضياع الآتي .

لاشك أن الشعر هو مكمن الأسئلة، وهو محطة انطلاقها ، والشعر قبل كل شيء هو نوع من المساءلة، وهو من أسس ما يسمى ب" منطقة الأسئلة الكبرى" وهي منطقة غير منزوعة السلاح ، بعكس ما يدّعي سارتر ( أن الأدب لايملك بندقية) ، فمنذ ان انطلقت مقولة( الشعراء مشرعو العصر) أو قبل ذلك بكثير، كان على الشعر أن يأخذ دوره في الحياة، كراصد ومدقق للتأكد من أن كل شيء يسير في مساره الصحيح، وحينما تنحرف الأحداث عن جادة الصواب، تنبري القصيدة منتفضة بوجه الحالات الخربة التي تنتج مواقف فاسدة أو العكس صحيح، فتمرد القصيدة حاجة ملحة لتعديل مسار خرب، او سياسة فاسدة، أو فضح الطواطم المعاصرة . تتشكل قصيدة (صرخة) للشاعر عبد العزيز خوجة من خلفية تستقي احداثها في الاصل من خطأ خاص قد يشير بطريقة ما الى خطأعام (السياسات التي ذبحت الجمال في أغلب جوانب الوطن العربي قبل ان تذبح اي شيء آخر) فأورثتنا" القهر" الذي هو أصعب وأبشع من الموت: قَهْرٌ على خَيْلِ الْمُرُوءَةِ فِي الْمَرَابِطِ لَا يُشَرِّفُهَا الْكِفَاحْ قَهْرٌ على صَوْتِ الْبَلابل نابَ عنْ تَغْرِيدِهِ صَخَبُ النُّباحْ تبدأ القصيدة بطرح سياسة الرفض صراحة بوجوه الأمثلة الخربة ، التي قد تواجه اي انسان في اي وقت ،ولتكتمل حاسة التمرد،،نبدأ أولابمعجم التمرد ، حيث ان مجالات دراسة المعجم الشعري متنوعة وكل مجال بنتائجه،بخاصة وانه يمثل اختيار الالفاظ وترتيبها وفق طريقة خاصة ، بحيث تثير معانيها خيالا جماليا ، فهو اذن يمثل التميز الذي تفرد به النص الابداعي،فاذا اردنا أن نحيط باللغة الخاصة لشاعر ما ، فلنحاول متابعة معجمه الشعري ،كما ان دراسة الالفاظ بمعزل عن تراكيب الجمل لا يأتي بثمار، والاحصاء يبقى من دون نتائج ، وأيضا يجب عدم اغفال اهمية تعالق الالفاظ المكونة لجملة او لشبه جملة بعضها ببعض في تحديد الدلالة ونلاحظ ان الشاعرخوجة في هذه القصيدة يستجير بالألم والغضب والتمرد كحل أوحد لتجاوز هذه المحنة: قَهْرٌ لِهَذا النَّخْلِ أَنْ يَهْوِي انْحِناءً وَامْتِثالاً لِلرِّياحْ قَهْرٌ لِهَذا النَّصْلِ فِي الغِمْدِ الْمُغَيَّبِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْجِراحْ قَهْرٌ على خَيْلِ الْمُرُوءَةِ فِي الْمَرَابِطِ لَا يُشَرِّفُهَا الْكِفَاحْ قَهْرٌ على صَوْتِ الْبَلابل نابَ عنْ تَغْرِيدِهِ صَخَبُ النُّباحْ قَهْرٌ على هِمَمِ الرِّجالِ: تَغَافَلَتْ صَوْتَ المُؤَذِّنِ لِلْفَلَاحْ وتدريجيا تبرز صورة المعجم في قصيدة خوجة، على انها تتشكل من جمل ومفردات متكررة تتأصل فيها روح التمرد على اختلاف معطيات المفردات التي تغذي الاختلاف والتشاكل في شعرية القصيدة المنتفضة، وهكذا نجد ان التكرار بدلالاته الأصلية والفنية يصنع معجما شعريا مائزا في قصيدة ( صرخة)، كما ان مفتاح النص الدلالي الاول في قصيدة عبد العزيز خوجة( صرخة) هو( الخراب) ،وهو رحلة في استكشاف رؤى ( داخلية / خارجية ) لل( الحاضر ) المبتلى بالفواجع والكوارث الانسانية لهو حل منطقي بعد ان اخفقت( الحياة ) البائسة المحبطة ، في تطويع اتجاهات ( الحاضر ) نحو الحلول المؤاتية لأبسط عُقد واشكالات انساننا الحالي الضائع في جميع الاتجاهات . تلخص مفردات معجم (خوجة) في قصيدته هذه بحقولها الدلالية رؤية الشاعر نفسه وهي تقوم على استحضار المسافة المائزة بين انتكاس الحاضر وضياع الآتي في مجموعة غيبوبات ملونة بلون الأسى والرفض ، يستقدم الشاعر رمزا صنع من خراب التأريخ وضياع الجغرافية وفزع المدن ــ المدن كلها على حد سواء !ـ، الا وهو(جائحة الصهيونية التي ذبحت كل شيء حتى الهواء!) أي ضياع الانسان وضياع اكبر آخر ينبني على ضياع الانسان ،لذلك عندما يتأكد الشاعر أنه لايملك الا القصيدة، فإنه يفجرها شظى ولظى بوجوه عتّقها الفساد وتعتق فيها،حتى تعرشت الأوبئة المغرية على اديم المجتمع فنخرته بلا تسوس، ان قصيدة (صرخة) . بالرغم من قصرها، الا أنها تشكل تعرية و رفض صريح للأوبئة التي قد يبتلي بها اي عاقل في محنة طارئة لاتقوى اهواؤها على التأثير على قيم الشاعر ، فهو الراصد، وهو الحاكم بأمرة القصيدة في محاسبة السياسات الخربة. وعلى الرغم من قصر قصيدة" صرخة" للشاعر عبد العزيز خوجة، حيث يبلغ عدد أبياتها( 8 أبيات) فقط، إلا أنها كانت مسلة من غضب، تتفجر عنفوانا وثورة وتمردا، واثبت شاعرنا خوجة أن اللازمة الشعرية هي الحل الأمثل لبناء قصيدة ثائرة مقاتلة متمردة. جدول المعجم الشعري قصيدة( صرخة) للشاعر عبد العزيز خوجة المفردة عدد مرات تكرارها (قهر) ( الجرح) (على ) حرف الجر (هذا) اسم الاشارة (5) مرات ( 2) مرتان ( 3 ) مرات ( 2 ) مرتان قَهْرٌ لِهَذا النَّخْلِ أَنْ يَهْوِي انْحِناءً وَامْتِثالاً لِلرِّياحْ قَهْرٌ لِهَذا النَّصْلِ فِي الغِمْدِ الْمُغَيَّبِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْجِراحْ قَهْرٌ على خَيْلِ الْمُرُوءَةِ فِي الْمَرَابِطِ لَا يُشَرِّفُهَا الْكِفَاحْ قَهْرٌ على صَوْتِ الْبَلابل نابَ عنْ تَغْرِيدِهِ صَخَبُ النُّباحْ قَهْرٌ على هِمَمِ الرِّجالِ: تَغَافَلَتْ صَوْتَ المُؤَذِّنِ لِلْفَلَاحْ جُرحي تَفَتَّحَ وارْتَوَتْ مِنْهُ المَنايا في أَهازيجِ الرّماحْ ...الخ. ان علم الدلالة في متابعة دلالة الالفاظ يقوم بدراسة الحقل الدلالي ، باعتبار ان الدلالة كامنة في النص من خلال عدة حقول دلالية تتأرجح في بؤرة الدلالة ، ويصل ذلك من خلال التحري داخل التكرارات والمترادفات والكلمات والمفاتيح ، ان مفتاح النص الدلالي الاول في قصيدة عبد العزيز خوجة ( صرخة ) عنونة رئيسة ، و ( صرخة) عتبة تحريضية تأويلية ، وفي هذا التشكيل العتباتي يسعى الشاعر إلى رسم ملامح عنوانه ورفده بلغة عالية الشعرية وخاصة أنها تقوم على إيهام القارئ بتعطيل العلاقة العملية بين العنوان والنص، الأمر الذي يترتب عليه الغوص عميقا في بحر القراءة بغية البحث عن العلاقة التي على أساسها تحاول نصية العنوان الإحالة إلى نصية النص، خاصة وأن العناوين الشعرية الحديثة تؤشر بجلاء قيام مسافة مائزة بين العنوان ودلالة النص عند ذلك نجد القراءة تتجاوز البعد الدلالي الأول للعنوان إلى أبعاد أعمق بغية التأويل، لذلك الناتج هو من العنوانات المركبة ، فنقول إن العنوان التحريضي عن طريق آلية تفعيل التكهنات هو موئل الأسئلة الساخنة، وله القدرة على تشكيل عتبة للمتن بعد المرور بسلسلة من تفاعلات الحواس وجعلها مشدودة إلى النص بحرارة ينبغي إن تتماثل مع قدرة العنونة على ذلك. لاشك أن قصيدة( صرخة) هي نص شعري انفجاري تمردي مكثف، وهي ثورة شعرية، تحاول أن تكشف المستور العفن الذي انتشرت رائحته، وتهتك أسرار الأوبئة التي أخفتها التخاذلات والانتكاسات التي تَميزْنا بها وتَفردْنا عن غيرنا من دول العالم بنجاح ساحق!. *ناقد من العراق