
في عصرٍ تغزو فيه الرقمنة كل تفاصيل حياتنا، يقف أطفالنا على خط المواجهة الأول أمام أمواج عاتية من المخاطر الإلكترونية التي تهدد براءتهم وسلامتهم. وفي خطوة استباقية تعكس الريادة السعودية في حماية حقوق الطفل عالمياً، تبوأت المملكة العربية السعودية الصدارة مرة أخرى عبر قرار تاريخي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، جاء بدعم سعودي مباشر ليكون درعاً واقياً لأطفال العالم في الفضاء الرقمي. هذا القرار ليس مجرد نصٍ دولي، بل هو تعهدٌ إنساني ببناء عالم رقمي آمن يحفظ لأطفالنا حقهم في النمو بعيداً عن مخاطر التنمر والاستغلال وانتهاك الخصوصية. جاء هذا القرار، الذي قُدّم تحت بند التعاون الفني وبناء القدرات، تتويجاً لمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد -حفظه الله-، التي تضع أمن الأطفال الرقمي في صدارة أولوياتها. ولم يكن القرار مجرد بيان رمزي، بل خطة عمل شاملة تشمل تقديم الدعم الفني للدول، وتبادل الخبرات، وتعزيز القدرات الوطنية لمواجهة التهديدات الإلكترونية. لقد حظي القرار بدعم دولي واسع، بفضل شراكة المملكة الفاعلة مع مجموعة من الدول، مما يؤكد الإجماع العالمي على ضرورة حماية الأطفال من مخاطر مثل التنمر الإلكتروني، والاستغلال الجنسي، وانتهاك الخصوصية. ومع تحول العالم إلى الفضاء الرقمي، أصبح الأطفال أكثر عرضة لمخاطر لم تكن موجودة من قبل، حيث تشير الدراسات إلى أن واحداً من كل ثلاثة أطفال يتعرض للتنمر الإلكتروني، كما أن الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت يتزايد بمعدلات مقلقة، فضلاً عن أن غياب التشريعات الكافية في بعض الدول يعرّض الأطفال لانتهاكات يصعب محاسبتها. ومن هنا، يأتي هذا القرار كاستجابة عملية لهذه التحديات، حيث يقدم إطاراً دولياً لتعزيز الحماية الرقمية للأطفال، ويدعم الدول في تطوير سياساتها التشريعية والتقنية لمواجهة هذه المخاطر. ولا يعد هذا القرار الأول من نوعه الذي تقوده المملكة، بل هو جزء من سلسلة جهود تبذلها القيادة الرشيدة -أيدها الله- لتعزيز الأمن والاستقرار العالمي. فمن خلال رؤية السعودية 2030، عززت المملكة مكانتها كفاعل رئيسي في القضايا الإنسانية، من خلال مبادرات متنوعة تشمل الأمن الرقمي، والاستدامة البيئية مثل مبادرة «السعودية الخضراء»، والصحة العالمية مثل مبادرات مكافحة الأوبئة. وتؤكد هذه الخطوات التزام المملكة بدورها كشريك دولي مسؤول، يعمل على بناء مستقبل أكثر أماناً للأجيال القادمة. ولئن كان القرار قد اعتمد رسمياً الأسبوع الماضي كعلامة فارقة في مسيرة المملكة الحقوقية، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل بنوده إلى إجراءات ملموسة، وهو ما تعمل عليه المملكة مع شركائها الدوليين، من خلال برامج تدريبية لبناء قدرات العاملين في حماية الطفل، وتطوير تشريعات رقمية تحمي الأطفال دون تقييد إبداعهم، وتعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الإنترنت وكيفية التعامل معها. ولا يعد قرار حماية الأطفال في الفضاء الرقمي انتصاراً دبلوماسياً للمملكة فحسب، بل رسالة إنسانية تؤكد أن التكنولوجيا يجب أن تكون أداة للتمكين، وليس مصدراً للخطر. وفي ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد -حفظهما الله-، تواصل المملكة رسم ملامح مستقبل رقمي آمن، يعكس رؤيتها كرائدة للخير والاستقرار العالمي. *إعلامي سعودي