يحيى بن محيريق..

شاعر الحب في «المنطقة المحايدة».

عرفت الشاعر يحيى بن حمدان المحيريق اليامي بدار المفردات بالرياض قبل عشر سنوات، وبالتحديد 1437هـ 2016م وهو يتابع طباعة سيرته الذاتية (كاريزما الذكريات)، وقد حضرت مع الناشر الصديق عبدالرحيم الأحمدي الحفل الذي أقامه الأخ يحيى عند صدور الكتاب في أحد فنادق العليا بالرياض وقد جمع عدداً كبيراً من أصدقائه ومعارفه من أبناء نجران، واستمتعنا بليلة جميلة معهم وبعد عشر سنوات سمعت بزيارته للرياض وصدور ديوانه الأول (جمع تكسير) وسفره قبل لقائه، فوجدتها فرصة بالكتابة عنه بما يتيسر. نعود إلى (كاريزما الذكريات) التي قال عنها الناشر: ((ودار المفردات للنشر تعتز بهذا الإصدار الذي يجمع بين المتعة التأريخية والذائقة الأدبية، ويبرز ملامح المجتمع الذي شهده المؤلف الحصيف ونقلها إلينا صوراً من الذاكرة التي تدين لذكرياتها بالإثرة والاحترام)). بدأ ذكرياته بالعيون السود.. إذ كان بالكويت عام 1976م وبذكرى اليوم الوطني اختارت وزارة الإعلام المطربة وردة لإحياء حفلة العيد مع غيرها. فانقسم الجمهور بين مطالبين بأغنية خليك هنا أو العيون السود، وكان هو من اختار الأولى ولكن الغالبية طالبت بالثانية فغنت العيون السود، ومنذ تلك الليلة ارتبطت بوجدانه. عاد إلى بلدته (بدر الجنوب) بنجران ووصفها قبل ستين عاماً كيف كانت مع بدايات التطور وانقسام السكان بين بدو وحاضرة فالبدو يهتمون بالماشية والحاضرة بالزراعة. يذكر أول أمير لنجران عام 1353هـ هو عساف بن حسين، وأول أمير لبدر الجنوب هو محمد الصالح الرشيد، ومدير مركز المالية وجباية الزكاة هو إبراهيم بن حسون.. واستمر يصف الحياة الاجتماعية مع بداياتها الحديثة.. وتبادل المنافع بين الحضر والبدور حتى بين السيدات، فالقرويات يلجأن إلى سيدات البادية ليتعلمن منهن أعمال الغزل، وشراء الصوف للحياكة، وعن فتح أول مدرسة 1962م وأول مستوصف صحي وعن حكيم (ممرض) من فلسطين يدعى رضوان ويكنى بأبي الوليد والذي يحرص على النظافة، ويمتطي دراجته (الموتسيكل) ومعه الدافور لعيادة المرضى في منازلهم، والدافور لغلي أدواته وتعقيمها وبالذات الابر التي تستعمل لمرات عديدة بعد تعقيمها، وكان يقوم بدور المسحراتي برمضان ويتحدث بالتفصيل عن مدينة أبو السعود في نجران (البلد) أو نجران القديمة هي مركز المدينة ومقر الدوائر الحكومية وهي المركز التجاري الأول بالمنطقة. وكان يعرفها في صغره عندما كانت إنارة شوارعها تعتمد على الأتاريك التي تغذى بالكيروسين، وزحام شوارعها ودكاكينها ومطاعمها، ويتوسط ساحة السوق حلقة الخضار، ويخترقها شارع الأخدود ذو الشهرة الواسعة، وكانوا ينتقلون إلى بدر الجنوب وقت خراف وصرام النخل، وكان للنخيل شريك أو خادم أو متعهد توكل إليه عملية سقاية وتقليم وتلقيح وصرام النخل وكانوا يسمونه (الطبّان) وله أفضل أنواع النخل. يعود لذكرياته بالكويت، إذ قام بزيارة أقاربه في بداية السبعينيات من القرن المنصرم إذ كانوا يعملون في المنطقة المحايدة – المقسومة بين المملكة والكويت – ولهذا فقد أقام هناك حوالي خمس سنوات، وتعرف على عدد من الوجهاء والشعراء وقابل مشعل الصباح رئيس ديوانية شعراء النبط فأصبح أحد أعضائها.. وبعد أشهر عمل في قطاع الجيش وغير اسمه إلى (محمد فهد) وبدأ يكتب الشعر الوجداني، وتم تعيينه على وظيفة كتابية في نادي ضباط الجيش، وكان في النادي مكتبة كبيرة فأخذ يقضي الفترة الصباحية بالقراءة وحرص على الروايات والشعر، وربطته بأعضاء النادي صداقات ومع موظفيه ذوي الجنسيات العربية، اشتهر بقصائده الوجدانية وبالذات بعد أن كتب قصيدته التي نشرتها مجلة مرآة الأمة ومنها: دق التلفون بالصدفة وشليته ألو نعم مين؟ قالت لي: أنا نورة من فرحتي طحت حتى الخط سديته ما الوم قلبي أبد لو زادت سروره شلت التليفون في صدري وضميته مما بقلبي وهو صوت بلا صورة تم نقله من نادي الضباط عام 1976م على أثر خلاف نشب بينه وبين ضابط كبير في الجيش وبعدها قرر العودة إلى أرض الوطن ثم الزواج والعمل القيادي في إمارة نجران... وقبلها توثقت علاقته بالشعراء والفنانين وبدأ يسجل قصائده المغناة على أسطوانات الشايب فون وغيرها. وحرص ناشي الحربي على استضافته بمقابلة مطلوبة بـ (مرآة الأمة) واختار عناوين رئيسية (مانشتات) لتلك المقابلة ومنها: اعذريني عن التوديع ما أقدر أواجه واتركي لي رسالة حب وامضي عليها وارتكي في زوايا البيت لي أي حاجة ريح منديل والا صورتك علقيها ودع الكويت بقصيدة اختتمها بقوله: إلى دقت الذكرى الجرس دقة (ن) حية وقامت عيوني تنثر الدموع من شانك أبا انظر واكلمها برقة وحنية عساه تكلم بالنيابة على لسانك عاد للمملكة عام 1399هـ وتزوج وبدأ حياته الجديدة، وتولى الأمير فهد بن خالد السديري العمل أميراً لمنطقة نجران عام 1400هـ، وزار المدن والهجر وقابل الناس واستمع إلى مطالبهم، وفي عام 1402هـ زار الأمير محافظة بدر الجنوب وبرفقته وزير الصناعة والكهرباء الدكتور غازي القصيبي. واختير يحيى عريفاً للحفل، وقدم الحفل بـ قصيدة طويلة منها: يالقصيبي بلدنا اليوم ينظر لحاله وأنت تكفي وتشفي وعندك الإستطاعة يا وزير الصناعة حالة الناس حالة والإنارة تراها اعزّ وأجمل بضاعة ندري أن كل مسؤول يؤدي رسالة وأنت مثلك تهيَّت جيتّه واطلاعه حاول انك ترد العلم إلى جا مجاله كودرايك يحث المجتهد في قطاعة يمكن انك بحكم المعرفة والزمالة تعرض الوضع والممدوح هذي طباعة فرد عليه القصيبي ببيتين: أتيناك باشواق القلوب باشواق المحب إلى الحبيب تحب الناس بدراً بالأعالي ونحن غرامنا بدر الجنوب عين أميراً لإمارة المعاين في 13/5/1402هـ ثم أميراً للعريسة وبعدها في بير عسكر وغيرها وقد اختارته وزارة الإعلام لتقديم برنامج البادية من تلفزيون أبها. مع بداية عام 1409هـ بدأ يحس ببعض الاضطرابات في الجهاز الهضمي فراجع المستشفيات في المملكة والقاهرة ثم أمريكا التي بقي بها قرابة السنتين على أن يعود بعد 6 أشهر لاستكمال العلاج الذي استمر لعشرة أشهر وفي صيف عام 2002 زار الملك عبدالله أمريكا وقابله وسلم عليه بولاية تكساس. عاد للمملكة على أن يعود بعد ستة أشهر للمتابعة، ولكن إرهاصات أحداث سبتمبر جعل من صعوبة الإجراءات الأمنية المتبعة أن يلغوا تأشيرته ويطلبون منه العودة لولا اتصاله بالدكتور المعالج (زا لسكي) وتحت كفالته أعطوه مدة 28 يوماً لاستكمال العلاج. وفي عام 2004 وخلال مهرجان الجنادرية ظهر الأمير متعب بن عبدالله ببرنامج تلفزيوني فداخل مع غيره، وعرف الأمير أنه شاعر فدعاه لحضور المهرجان ولم يتمكن من الحضور إلا في اليوم التالي فقابل الأمير وطلب منه اعداد (أوبريت) للسنة القادمة، وأعده فعلاً بعنوان (أرض الرسالة والتراث الهجري) ابتدأها بقوله: الدين والمرجلة والصدق ديدنا تراث عبدالعزيز الله يطيب ثراه ياما على الشكر للمعبود علمنا الواحد القادر اللي ما عبدنا سواه رمزٍ على المنهج المأثور عودنا يا ما وياما تعلمنا الوفاء من وفاه رحنا وجينا وغربنا وجربنا ما فيه غالي يقارن بالوطن في غلاه وفي اتصال عاجل أوجز لي أنه تقاعد بعد خدمة الدولة دامت 37 عاماً، وأنه شارك في مهرجان الجنادرية أكثر من مرة، وحضر ملتقى المثقفين الثاني في الرياض، وشارك في تحكيم مسابقة (شاعر الوطن) وحكم عدداً من المسابقات الشعرية. وكتبت عنه الشاعرة الكويتية سعدية مفرح بمجلة اليمامة بعنوان (ذكريات سعودية بكاريزما كويتية) وكتب عنه الأديب أحمد بن علي العسيري بعد اطلاعه على (كاريزما الذكريات) ((قلم رشيق يتنقل بين حقول الذكريات بريشة مبدع متمرس صال وجال في عالم الكتب والشعر والنثر والأدب والرواية. مخزون لغوي متدفق وثقافة ثرة وشاعرية متوقدة وروح مرحة واستطراد مليح وبوح عذب، وحنين للماضي يجذب القارئ للزمان والمكان..).