أنا وابنتي والغزالة الورديَّة

عندَما طلبت مني ابنتي - وكانت في الخامسَة من عمرها- أن أحكيَ لها قصةً قبل أن تنامَ، لكنها اشترطت أن تكونَ غير ما سمعت من قبلُ، فهرشتُ رأسيَ، وقلتُ لها: كان هناكَ غزالةٌ، قالت: ما لونُها؟ قلت: ورديٌّ، شعرتُ من نظراتها أنَّها غيرُ مقتنعةٍ، لكنَّها كانت تريدُ أن تنامَ على وقعِ أي حكايةٍ والسَّلام، هنا شعرتُ أنَّني فقدتُ جاذبيَّة الحكايةِ، فقلتُ لها: أغيرُها، لكنَّها قالت وقد غلبَها النُّعاسُ: - هل فيه غزالة لونها وردي؟! *** هذا حالُ بعضِ القرَّاءِ الَّذين لا يفصلونَ بين مادَّةِ القصَّةِ ومادَّةِ الواقعِ، يظلُّونَ يبحثونَ عمَّا يطابقُ الواقعَ في الحكايةِ، ولا يتماهونَ مع خيالِ الحكايةِ وبنائِها الموازي للواقعِ، فعندما نستدعي الواقعَ وننزلُه على الروايةِ فإنَّنا نجرّدُ الفنَّ السرديَّ من روحهِ الإبداعيَّة، وقد يصلُ الأمرُ إلى وصفِ قصَّةٍ أو روايةٍ ما بأنَّها شوَّهتِ الواقعَ؛ لأنَّها من وجهةِ نظرِ هؤلاءِ لم تحفظ صورةَ الواقعِ كما ألفَها القرَّاءُ. القصَّة أو الرواية تتقاطعُ مع الواقعِ تأخذُ منه المادَّة الخامَ الَّتي يعيدُ الكاتبُ تشكيلَها وفقًا لرؤيةٍ تقومُ على الانتقاءِ والتَّكثيفِ، وتقديمِ الأشياءِ برؤيةٍ فنيةٍ مغايرةٍ. الروايةُ تختلفُ عن الواقعِ في أنَّها تقومُ على منطقِ الفنِّ الذي لا يقبلُ المصادفة، بينما الواقعُ عالمٌ اعتباطيٌّ تحصلُ فيه الأشياءُ دونَ منطقٍ، أو منطقٌ مختبئٌ لا يظهرُ إلا بعد حينٍ طويلٍ، أما فنُّ القصةِ فمبنيٌّ على الانتقاءِ والتَّضخيمِ والمبالغةِ ولا يقبلُ المصادفةَ. فالغزالةُ الورديةُ الَّتي استنكرت ابتني وجودَها في القصَّة، لأنَّه لا يوجدُ لها نظيرٌ في الواقعِ، هي المفارقةُ الَّتي تقومُ على تجاوزِ مألوفاتِ الواقعِ، وهي الَّتي تقيمُ الفنَّ وتنهضُ به، وتضعُ حدًا فاصلًا بينَ ما هو واقعيٌّ وما هو سرديٌّ فنيٌّ !!