دموع لا يراها شات جي بي تي.

لم يعد الذكاء الصناعي مجرّد تقنية نستخدمها، بل ثقافة تتسرّب إلى طريقتنا في التفكير، يتدخّل في اختياراتنا البسيطة،، ويُعيد تشكيل تصورنا للمعرفة،حتى بات يتخذ القرارات نيابةً عنّا. لم نعد نستخدمه كأداة، بل بدأنا نتكأ عليه كبديل… بديل عن التصرف العفوي، وعن التجربة بكل ما فيها من ارتباك. صرنا نبحث لديه عن إجابة جاهزة، ونترك جانبًا تلك المسافة الضرورية بين السؤال واليقين. ليقوم بحساباتها، ورغم كل إنجاز يحققه لنا، فإننا نخسر مالا يقدر بثمن: القدرة على التأمّل، على التردّد، على الخطأ. لقد أصبحنا في زمنٍ نصل فيه إلى المعرفة بنقرة إصبع، وتُختزل الخبرة في مصفوفات صمّاء، ويُقاس الصواب بما تُرجّحه الخوارزميات لا بما يهتدي به القلب. زمنٌ تبهت فيه الحيرة، ويتلاشى فيه التردّد، وتُستبدل التجربة بإجابات فورية، حتى بات السؤال الأعمق ليس: ماذا يستطيع الذكاء الصناعي أن يفعل؟ بل: ماذا يتبقّى من الإنسان حين تفعل الآلة كل شيء بدلاً عنه؟ هذا الاعتماد المتزايد يدفعنا نحو حافة خطيرة، حيث يتحوّل الإنسان إلى مجرّد مُتلقٍ لقرارات يصنعها برامج لا تعرف التردد ولا الرحمة، لأن الرحمة ليست معطى رياضيًا… بل انحيازٌ إنساني يتطلّب قلبًا. وليت الأمر يتوقّف عند اتخاذ القرار، بل يمتد ليُعيد تعريف ما هو «صحيح» وما هو «إنساني»، فتصبح المشاعر مجرد بيانات، و تُختزل التجارب في أنماط، ويُقاس الصواب بمدى تطابقه مع ما «تتوقّعه الآلة»، لا مع ما «يشعر به الإنسان». وهكذا بين ملايين الأرقام والأنماط، تضيع تفاصيل صغيرة تبدو تافهة لكنها تصنع الفارق بين الآلة والإنسان. الآلة رغم براعتها التقنية عاجزة عن فهم جوهر الإنسان: فهي تجيد الحسابات، وتحلّل بلا كلل، لكنها تغرق تمامًا في بحر المشاعر البشرية شات جي بي تي-مثلا- لن يفهم ما وراء الدموع،ولن يبرمج اللحظات الصامتة التي تترك أثرًا لا يُرى في القلب،لأنها ليست داتا تُحلّل، بل إنسانية تُعاش. ومهما بلغ هذا الذكاء من تفوّق في الدقة، فلن يصل أبدًا إلى عمق الجُرح، أو نشوة الانتصار، أو دمعة الحنين. ولن يملك يومًا ذلك «الجنون الجميل» الذي تُصنع به القصائد، وتولد منه المجازات، وتتفجّر بفضله أعظم الاكتشافات. فأنت إنسان، لديك ضعف… لكنه ضعف جميل. الخطأ ليس عيبك، بل توقيعك الخاص. وأحلامك ليست خوارزميات، بل ارتعاشات بين القلب والخيال. الذكاء الصناعي قد يُتقن المهام، يتقن، لكنه لا يُدرك. لا يسمع ما لم يُقَل، ولا يرى ما لا يُكتب، لأن الإدراك لا يُبرمج، بل يُولد من التناقض، من الشك، من الرغبة، من الحب، من الخوف… من الحياة. والبشر لا يعيشون فقط لينجزوا، بل ليحبّوا، ليخافوا، ليحلموا، ويعيشوا حياتهم بكل تناقضاتها ومفاجآتها. فإذا شعرت بالخوف من صمت الخوارزميات، تذكّر أنك تسبقها دائمًا بخطوة… لأنك تشعر قبل أن تفكّر، وتشكّ قبل أن تقتنع، وتحلم حتى حين تنهار.