الخبل لا أحمر ولا أصفر!

في زمنٍ أصبحت فيه الكلمة تعبّر عن عقل صاحبها أكثر من مظهره، تغيّرت طرق التقييم، وتحوّلت المنصات الاجتماعية إلى ساحات مكشوفة، تفضح مستوى الوعي أو ترفع من شأنه. ولهذا يقول المثل العامي: "الخبل لا أحمر ولا أصفر، لكن له علوم تدل عليه". ومع بساطته، يلخّص هذا المثل الشعبي حقيقة عميقة: أن العقل لا يُرى، لكن تُعرف آثاره من خلال ما يصدر عن صاحبه من قول أو فعل. قديمًا، لم تكن هناك وسيلة لتمييز العاقل من غيره سوى الكلمة. كانت المجالس ميداناً تُختبر فيه العقول، وتُعرف من خلالها الفوارق بين الوقور ومن دونه، وبين صاحب البصيرة ومن لا يبصر. ولهذا قيل: "تحدث حتى أراك". أما اليوم، وفي زمن المنصات الاجتماعية، لم يعد حضور المجالس شرطاً لاكتشاف الملامح الفكرية. تغريدة واحدة قد تكشف عن وعي صاحبها، ومساحة صوتية قد تضعه أمام الناس مجرّداً من أي رتوش. لقد منحتنا وسائل التواصل نافذة مباشرة على العقول. نقرأ ونسمع ونشاهد من الناس ما يكشفنا عليهم ويكشفهم علينا. بعضهم تُبهرك كلماته، وترى خلفها عمقاً وأدباً واتزاناً، وبعضهم – للأسف – لا يحتاج إلا لتغريدة مرتجلة ليفضح نفسه، ويجعلنا نقول: "ليته صمت!" بل إن كثيراً من المتابعين لا يعرفونك شخصياً، لكنهم يبنون انطباعهم عنك من أثر كلماتك. فهل ما تكتبه يشبهك؟ وهل يمثّلك خير تمثيل؟ ما نكتبه اليوم قد يبقى إلى الأبد، كما قال الشاعر: "الخطّ يبقى زماناً بعد كاتبه... وكاتب الخطّ تحت الأرض مدفونُ" كلماتك ليست مجرد أحرف، بل شهادة فكرية عليك. فاكتب كما لو كنت تقدم نفسك، وراقب حروفك كما تراقب صورتك في المرآة.