في حضرة القلق الشعري..

في ثنايا القصيدة يفيض القلق من بين السطورِ، منسابًا من زوايا الأسى والاغتراب، متجلياً في الكلمات باحثًا عن أمانٍ روحي ومسكنٍ لما يعتري الشاعر من تخبطاتٍ تموج به بين العواصف؛ مصورًا عدم ارتياحه وصراعه مع أحداث حياته والهموم التي تنهش روحه، فلا يجد سوى قلمه خلاصًا له.  يأتي دور الأدب مترجمًا للحالة الشعورية، التي تعكس مشاعر القلق والاضطراب النفسي، فهو ملازم لذات الإنسان، ومسيطر عليها، يظهر ما تشعر به النفس من عدم استقرارٍ، وخوفٍ، واغترابٍ، وانتظارٍ، وغير ذلك من مشاعر ملازمة للنفس البشرية، إذ يزداد ظهورها بشكل جليّ وواضح في الأدب السعودي الحديث، خاصةً عند الشعراء لما يمتلكون من دوافع للتعبير بشكل أعمق؛ نظرًا لما يمرّون به من ظروفٍ ومآسي تنقش آثرها في الروح، فالشاعر بطبعه مرهف الحسّ والشعور، يجتاح القلق أعماقه بصوتٍ أبديّ لا يعرف الصمت.  في الشعر السعودي الحديث لا يعد القلق حالة شعورية عابرة؛ بل هوية وجودية مرافقةً للذات تشرّع له نافذة التعبير الصادق عن مكنونات النفس، وعلى الرغم من أن القلق تجربة نفسية تحمل في طياتها الكثير من الألم ،لكنها بالنسبة للشعراء بوابةَ العبور للعالم الشعري. يقول شتيوي الغيثي في قصيدة “ترتيلة لهذا القلق”: أدنو من الشعر إذ أدنو من القلقِ أنا ابنُ هذي الرؤى البيضاءِ في الأُفُقِ  يعبر الشاعر هنا عن العلاقة الوثيقة بين الشعر والقلق، حيث يُظهر كيف للكتابة الشعرية أن تكون وسيلة للتعبير عن مشاعره ،وملاذًا له إذا ضاقت به النفس يأوي إليها ليخفف من وطأتها. وفي ذلك يقول إياد الحكمي في قصيدة “نوستالجيا”: وَمِثْلَ كُلِّ غَرِيبٍ عَاشَ مُنتَظِرًا وَمَاتَ يُكْمِلُ فِي النِّسْيَانِ غُرْبَتَهُ  يعيش الشاعر هنا قلقًا مؤلمًا، واغترابًا وجوديًّا مزمنًا؛ فهو غريب عن نفسه وعن محيطه، يضيع عمره في الترقب والانتظار لمجهولٍ لا يأتي، حتى الموت لم يكن النهاية لمعاناته؛ بل كان امتدادًا لغربته لتستمر بصمتٍ في عالم النسيان.  وهكذا، لا يكون القلق في الشعر مجرد موضوع، بل تجربة تتسرّب إلى اللغة، لتعبر عن شعورٍ خفيّ لا يُقال في العلن ؛ بل يختبئ خلف مفردات الأبيات. فكم من قارئٍ التمس حيرة الكلمات، وقرأ خوفها في سطور الشعر!