شعبٌ ينزف.. والعالم صامت

لم تكد حرب الاثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران تنقضي حتى عادت إسرائيل إلى قطاع غزة لممارسة هوايتها المفضلة في القتل والتشريد وهدم الدور فوق رؤوس ساكنيها. شروط تضعها إسرائيل للتفاوض، ثم تعود لتغير بعض ملامحها، ثم تتهم الطرف الآخر بعدم الالتزام، ثم تعاود القصف من جديد، وهكذا.. الخاسر الأكبر والشيء الذي يتم هدره يومياً هو الدم الفلسطيني الذي أصبح أقل شيء يمكن اعتباره مهماً في معادلات التفاوض. استمرار إسرائيل في ممارسة عربدتها في المنطقة لن يجلب السلام المفقود منذ ثمانية عقود في هذا الجزء المنكوب من العالم، ولن يجلبه لإسرائيل نفسها التي في كل مرة تراوغ للتملص من أي انتقال إيجابي لإحداث سلام دائم. هناك كيان دخيل يريد فرض إرادته على المنطقة وشعوبها، وهناك تواطؤ دولي، وفي أحسن الأحوال حيادٌ لاأخلاقي، يتجاهل الضحية وتضحياتها، ويصمّ أذانه عن أزيز الطائرات في سماء غزة، وقنابل الموت والدمار التي تقذفها على رؤوس الأبرياء. الموقف الأمريكي لا يزال متراخياَ تجاه أي إمكانيات لإنهاء الأزمة بحزم. هناك اجتماعات بين نتنياهو وترامب، واجتماعات إلحاقية، واجتماعات مؤجلة. كل هذا وآلة الموت لاتزال تعمل في غزة بأقصى طاقتها على الأرض. لا يزال ترامب يطرح فكرته الخيالية حول إتاحة الهجرة الطوعية للسكان من قطاع غزة. في حين يرفض أهل الأرض، ومن خلفهم كل الدول العربية هذا المقترح. وكل عاقل يتساءل: منذ متى كان التهجير والتشريد حلاً لأي مشكلة تحصل في مكان ما؟ كان من المزمع إقامة المؤتمر الدولي الذي دعت إليه المملكة وفرنسا خلال هذا الشهر للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، ولكن تم تأجيله، إلا أن هذا لا يعني أن فكرته ألغيت بالكامل، وسيظل التحالف الدولي الذي تقوده المملكة، والإرادة العربية الموحدة التي تحرّكه، عوامل ستصنع الحلم الفلسطيني ذات يوم، إلا أن كل هذا يحمّل العالم المزيد من المسؤولية للتحرك باتجاه صناعة سلام دائم ومستقر، وإنهاء نزيف شعب يرزح تحت الاحتلال، في أسوأ حكاية ماثلة أمام أنظار العالم تشهد على بشاعة الظلم الممنهج.