هل تخفف القراءة من الدوغمائية؟.
إذا قابلت شخصًا متشبثًا بأفكاره ومعتقداته وهو مع ذلك يرفض النقاش حولها، فضلًا عن تغييرها، فهذا هو الدوغمائي. وهذه الصفة (الدوغمائية Dogmatism) لا تقتصر على الأفراد فقط بل يمكن أن تكون على صعيد المؤسسات والمنظمات والأحزاب والدول حين يَعُدُّون أفكارهم هي الحقيقةَ المطلقة دون نقاش، وأفكار غيرهم هي الخطأ دائمًا؛ دون نقاش أيضًا. وبالنسبة للأشخاص فإن هذه الحالة غالبًا ما تصيب من يفتقدون المرونة الفكرية والانفتاح، وذلك لعدة أسباب؛ منها ضعف ثقتهم بأنفسهم أو بقدراتهم على النقاش والإقناع، حينها يكون إعطاء أجوبة حاسمة وغير قابلة للنقاش أكثر سهولة، مثل: “نحن على حق وهم على باطل”! أي التعامل بالأبيض والأسود دون أيٍّ من درجات الرمادي. أما عن دور القراءة في التخفيف من هذه الحالة فهو ليس حاسمًا أو أكيدًا، بل تتدخل في نجاحه أو فشله عدة عوامل، بعضها شخصي وبعضها الآخر خارجي؛ كالعوامل الاجتماعية والرغبة في التماهي معها. توفر القراءة للقارئ فرصة الاطلاع على وجهات نظر متعددة مع شرح وتوضيح مبررات أصحابها لتبنيهم لها، وهو ما يمكن أن يكسر حاجز الفكر الواحد، ويمكن أن يقنع القارئ بخطأ ذلك، وأن هناك طرقًا عدة لفهم أي موضوع. كذلك فإن القراءة- كما كتبنا سابقًا- تُطور الشعور بالتعاطف والتفهم لدى القارئ للآخرين حين يضع القارئ نفسه في مكانهم مفكرًا في ظروفهم وما يمرون به، ومخففًا من حالة الدوغمائية لديه. وإذا أضفنا إلى ذلك حالة التواضع التي قد تخلقها القراءة فإن النتيجة المتوخاة سوف تكون أفضل. ومن أجل تخفيف حالة الدوغمائية فإنه يُنصح بقراءة التاريخ وعلم الاجتماع والأدب المتنوع من مختلف الثقافات، حيث المئات من الأمثلة على ما آلت إليه نتائج التعصب الأعمى للرأي والجماعة دون تفكير في الآخر، وهو ما قد يقلل من حالة التعصب للآراء المتبناة ويعزز الانفتاح على الرأي الآخر. وهنا يجب ألا يُفهم بأن مزيدًا من القراءة يعني مزيدًا من التخفيف من الدوغمائية لدى القراء، لأن ذلك كله منوط بالقراء أنفسهم ورغبتهم في ذلك؛ لعدة أسباب، منها طبيعةُ بعض الدوغمائيين في القراءة الانتقائية التي ينحون فيها إلى التقاط الأفكار والتوجهات التي تدعم وجهات نظرهم فقط دون غيرها من الأفكار. وبالنسبة لهؤلاء فإنهم حتى عندما يقرؤون ما يعاكس توجهاتهم فإنهم يعمدون إلى تحويرها لمصلحتهم وما يعزز وجهات نظرهم لا تغييرها. كما أن احتمال تأثير القراءة في المصابين بهذه الحالة منوط أيضًا بالحالة النفسية والمزاجية للقارئ الذي قد لا يتزلزل من موقعه الفكري أبدًا مهما قرأ. وأخيرًا فإن هناك من القراء من يكون لديهم ما يسمى (العقلية الدفاعية) على الدوام، حين يكون الدفاع عن أفكارهم والتمترس خلفها هو هاجسهم الأول والأخير لا التفكير في تغيير قناعاتهم أو حتى التزحزح عنها ولو كانت خاطئة.