لماذا نحتاج إلى وعي تاريخي؟

ليست الإشكالية في جهلنا بالتاريخ، بل في غياب إحساسنا به. نعبر بين الأحداث والشخصيات والتواريخ كما لو كانت عناوين في كتابٍ جامد، لا نبضًا في وجدان أمة. نُلقِي نظرة عليه أحيانًا كأنه واجب مدرسي، أو مساحة للتفاخر، أو مجرد سرد لحكايات مضت... دون أن نعي أن التاريخ ليس مجرد ما كان، بل هو نحن في عمقنا، في تكويننا، في نظرتنا لما يجب أن يكون. وما بين الغفلة والوعي، يتحدد الفرق بين حضورٍ عابر... وتأثيرٍ باقٍ. الوعي بالتاريخ لا يعني حفظ التواريخ أو سرد المعارك أو تمجيد الماضي، بل يعني أن نفهم كيف تشكّلنا، ولماذا أصبحنا على ما نحن عليه، وكيف نستفيد من ذلك في رسم القادم. فالتاريخ ليس قصة نرويها، بل مفتاح نستخدمه لقراءة الحاضر وبناء المستقبل. من لا وعي له بتاريخ بلاده، لن يفهم ثوابتها، ولا تطلعاتها، ولا حتى واقعها. سيغيب عنه المعنى وراء الإنجاز، والدافع وراء التغيير، والمغزى من التحولات التي يشهدها المجتمع والدولة. سيتعامل مع الأشياء وكأنها حدثت فجأة، بلا سياق ولا جذر. حين يضعف الوعي التاريخي، يفسح المجال للسطحية أن تحكم، وللمعلومات المغلوطة أن تتسيد، أما حين يكون التاريخ حياً في الوعي، فإنه يمنح الإنسان بوصلة، وللمجتمع حصانة، وللوطن هوية واضحة لا تهزها الرياح. نحتاج إلى الوعي التاريخي لأننا نعيش في زمن السرعة والتغير. نحتاجه حتى لا نُختطف فكريًا، أو ننجر خلف روايات ليست روايتنا. نحتاجه لأن التاريخ ليس فقط ما مضى، بل هو ما يُعاد إنتاجه كل يوم في أذهان الأجيال الجديدة، وهو ما نضعه اليوم على أرفف المستقبل. فلنقرأ تاريخنا لا بدافع التمجيد فقط، بل بدافع الفهم العميق والاستفادة. التاريخ ليس مجرد أمجاد نرويها، بل تجارب نُعيد قراءتها لنفهم كيف نشأنا، وكيف واجهنا التحديات، وكيف تطورنا. حين نُدرك السياقات التي مرّت بها مجتمعاتنا، نصبح أكثر وعيًا بما نملكه اليوم، وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات تخدم حاضرنا وتُوجّه مستقبلنا. فالوعي بالتاريخ لا يعني الوقوف عند الماضي، بل استخدامه كأداة لفهم الواقع، وتصحيح المسار، وتعزيز الثقة بالذات. إنه ليس ترفًا فكريًا، بل حاجة وطنية تُسهم في بناء أجيال تعرف من أين بدأت، وتعرف إلى أين تتجه، بثبات ووعي واعتزاز. منصة X | @BinOthman90