السَّند الحقيقي.
تتعدّد مفاهيم البشر لمعنى السند، فبعضهم يجده في الأهل، وآخرون في شريك الحياة، أو العمل الخاص، أو الوظيفة، وتطول القائمة لاحتمالاتٍ أوسع، وكلٌّ يختار ما يميل إليه قلبه. والحقيقة التي لمستُها من خلال تجارب عديدة عاينتُها لأشخاصٍ تدهورت حياتهم وصحتهم؛ لمجرّد غياب الكتف الذي يستندون عليه، هي أنّ السّند الحقيقي يكمُن في قدرة الإنسان على الاتصال العميق بخالقه، وبناء شخصيّة صلبة من الداخل، قادرة على مواجهة مختلف المواقف، والتعامل مع الظروف المُحيطة بأريحية؛ فالحياة لا تمنح ضمانات لأحد! ولو تأملنا في كلّ مَن اعتقدنا أنّهم سندًا لنا، سنجد أنّ الدعم الذي نتلقاه منهم هشّ وقابل للزوال في لمح البصر! ليس لتقصيرٍ منهم، ولا لعجزهم عن حفظ العهود والوعود، بلْ لأنّ هذا الدعم قد يُفقد لأسبابٍ خارجة عن إرادتهم! فمثلًا: لا أحد من البشر قادر على ضمان بقاءَه! كما لا يوجد أي كيان قادر على ضمان عدم تصفيته! فكيف لكل ما سبق أنْ يضمن استمرارية دعمه؟ ومن منطلق إدراكنا لذلك يلزمنا أنْ نُخفّف عن أنفسنا ألم الانهيارات، وأنْ نفهم النهج الذي يودي بنا إلى الأمان. وما ذكرته لايتنافى مع أنْ نكون سندًا لبعضنا، وأنْ نقاوم معًا الأيام العصيّة، لكن بالمقابل أرى من الضرورة العمل على تكوين شخصية مُستغنية بالله عن العالم أجمع، بإمكانها أن تسند نفسها من خلال استشعار الحكمة في المواقف بخيرها وشرّها وتحويل الأحداث لصالحها. شخصية قادرة على استيعاب أنّ تدبير الأمور خارج عن سيطرتها، وأنّها تسعى وتجتهد وتكافح، في حينَ لا تملك لنفسها ضرًا ولانفعًا، شخصية قادرة على أن تُرسِّخ في داخلها معنى الآية الكريمة: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة:51). وفي الختام، ما أقسى أنْ يتكئ المرء بكامل ثقله على سندٍ ضعيف البُنية قدْ ينهار به على حين غفلة! دون أنْ يدرك أنّ السّند الحقيقي يكمن في القوة الداخلية التي يستمدها من الله عزّ وجل.