يومٌ يتقدّم فيه المستقبلُ نحونا !

من يتأمّل المشهد الذي شهدته الولايات المتحدة أمس، يدرك أن لحظة الوصول لم تكن بروتوكولاً عابراً، بل حدثاً يعكس تحولاً واسعاً في نظرة العالم إلى المملكة. استقبال لافت في رموزه، كبير في رسائله، دقيق في تفاصيله، يُظهر أن وزن السعودية اليوم لا يُقاس بمفردات القوة التقليدية، بل بمساحة حضورها في تشكيل اتجاهات العالم المقبلة. سمو ولي العهد يدخل هذا المشهد لا بوصفه ضيفاً، بل بصفته صانع مرحلة. قائد شاب يتعامل مع العالم من موقع المبادرة، ويصوغ مشروعاً يتجاوز حدود «الدولة الباحثة عن مكانها» إلى «الدولة التي تمدّ أثرها وتعيد رسم خرائط النفوذ». في السياسة والاقتصاد والتقنية، يتبلور دور سعودي جديد يقوم على فتح الملفات لا انتظارها، وعلى صياغة المصالح من الداخل لا من محيط الحسابات الدولية. الدلالات العميقة للزيارة تنبع من وضوح المسار. فالعلاقة مع واشنطن لم تعد محمولة على إرث تقليدي عمره عقود، بل على رؤية حديثة تعيد تشكيل الشراكات، وتطوّر أدوات القوة الناعمة، وتبني اقتصاداً يرتكز على المعرفة، وتمنح المنطقة تعريفاً جديداً في خريطة العالم. ولهذا جاءت ملفات الاستثمار والطاقة المتجددة والصناعات العسكرية والذكاء الاصطناعي متناغمة كأوتار مشروع واحد، لا اتفاقات منفصلة. وتكشف تفاصيل الاستقبال أن العالم يتعامل اليوم مع السعودية بوصفها دولة محورية تقود تحولات داخلية واسعة، وتفتح مسارات جديدة للابتكار، وتستثمر في مستقبل يتجاوز يوميات السياسة. هذا الحضور هو ثمرة عمل تراكم عبر السنوات الماضية واشتدّ بفضل رؤية قيادية تعيد هندسة المألوف، وتواجه تحديات المنطقة بذهنية بناء لا ذهنية أزمة. ومع كل خطوة في هذه الزيارة، يتضح أن مشروع ولي العهد يتحرك نحو صناعة مكانة جديدة للمملكة: مكانة تقوم على شراكات متوازنة، وعلى حضور فاعل في التكنولوجيا المتقدمة، وعلى الاستثمار العميق في الإنسان والمعرفة، وعلى تحويل الاقتصاد من الاعتمادية إلى الريادة. وبهذا يصبح الحدث السياسي درساً في إدارة التحولات الكبرى. لحظة تُقرأ بعمق لأنها تعبّر عن نموذج قيادة يقترب من المستقبل بثقة، ويعيد بناء التحالفات باحتراف، ويدخل العالم الجديد ومعه مشروع واضح الملامح. إنه يوم يمكن وصفه، بهدوء، بأنه يومٌ مُلهم، يوم يذكّر بأن المملكة لم تعد تنتظر دورها في العالم، بل تصنعه. (*) كاتب وصحافي سعودي