القراءة والحِمية الذهنية.
كما يتعرض جسم الإنسان لأنواع متعددة من الأغذية الضارة أو غير الصحية أو من المأكولات السريعة، يتعرض ذهنه كذلك لموجات متنوعة من المعلومات والمعارف التي ربما لا يدقق فيها أو في مصادرها ومدى صحتها. وكما تؤثر الأطعمة على جسم الإنسان مسببة له أمراضًا أو أوجاعًا وقد تؤدي إلى حالات تسمم أو مشكلات صحية أخرى، فإن عدم التدقيق في الهجوم المعلوماتي الذي نتعرض له في كل دقيقة قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه على أدمغتنا ومن ثم على سلوكياتنا وحتى على نظرتنا للأمور. وكما أننا نحتاج إلى حِمية غذائية للوصول إلى نقطة من التوازن البدني فإننا نحتاج إلى ما يشبه ذلك في الجانب الفكري، وهو ما أدى إلى ظهور مصطلح الحمية الذهنية (Mental Diet) الذي يعني التحكم الواعي في تدفق الأفكار والمعلومات إلينا؛ بهدف حماية أذهاننا ونفسياتنا وحتى أجسامنا من أي تأثيرات سلبية محتملة. فكيف يمكن تجنب الهجوم المعلوماتي وتحقيق الحِمية الذهنية؟ بداية يجب أن نُحسن اختيار الكتب ونقرأ عنها جيدًا بوسائل البحث الحديثة قبل أن نقرأها ونعرض أدمغتنا للسيئ منها، ونترك ما هو سيئ أو سامّ علينا حتى نحقق الحِمية الذهنية، ولأن هناك أعدادًا ضخمة من الكتب البديلة التي يمكن أن نقرأها، فإننا بالطبع لن نستطيع تجنب جميع الكتب السيئة، لكننا نستطيع أن نقلل منها قدر الإمكان. ويُعد التقليل من مطالعة وسائل التواصل الاجتماعي من أفضل ما يقوم به أحدنا للتقليل من الأطعمة الذهنية السامة، لأن الكتابة فيها أصبحت متاحة لكل من هب ودب، خاصة حينما تكون الكتابة بأسماء وهمية، يتم عبرها التطاول على الجميع دون خطوط حمراء، مستخدمين لغة أقل ما يقال عنها إنها لغة شوارع. ليس المطلوب بالطبع الانقطاع التام عن وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنها لا تخلو من فائدة، خاصة بعض الجوانب التعليمية، لكنْ التقليل منها قدر الإمكان، حيث ينصح بتخصيص 80% من الوقت المحدد لها على الجانب التعليمي الجاد والذي يضيف لنا قيمة طويلة الأمد، ويمنحنا مزيدًا من الطاقة الإيجابية والإلهام، و20% على الجانب الترفيهي والتصويري، مستفيدين من بعض التطبيقات التي تراقب الدخول لهذه التطبيقات المتكاثرة وتحسب الأوقات التي نقضيها في تصفحها أو مطالعتها. كما ينصح بشدة بإغلاق الإشعارات من هذه التطبيقات، إذ تزيد من تشتتنا الذهني. ويمكن التقليل من هذه الضوضاء الرقمية عبر الأنشطة البدنية؛ كممارسة بعض الهوايات المفيدة مثل الكتابة، والرسم، والمشي في الطبيعة، والاهتمام بالنباتات، وحتى مراقبة الفلك وحركة النجوم. وإذا حدث أن ضعفت وانجرفت أمام التيار الرقمي قليل الجودة فحاول أن تعوض ذلك بالانتقال إلى قراءات جادة ومعمقة، ورقية أو رقمية، أو حتى حضور دورات على الإنترنت في جانب تحبه، حتى يساعد ذلك في انتشال دماغك من أي كسل يكون قد ألم به من هذه الوسائل الضحلة، ويمنحك شعورًا بالإنجاز.