المهرجانات: نبض الإبداع وومض الجودة..

نبض المدن وروح التعبير.

تُمثل المهرجانات الثقافية والفنية والسينمائية أكثر من مجرد تجمعات ترفيهية؛ إنها فضاءات نابضة للتعبير والإبداع، تلتقي فيها الأفكار وتتجسد الرؤى. وفي خضم إيقاع الحياة السريع، تقف هذه الفعاليات كجسر يربط بين الماضي العريق وحداثة الحاضر، لتصبح محركات أساسية تدعم الاقتصادات الإبداعية وتكتشف المواهب الكامنة. يُثري التنوع الكبير في أنواع المهرجانات المشهد الثقافي العالمي، إذ يمتلك كل مهرجان تصنيفه وأهدافه وهويته الخاصة التي تسهم في تشكيل ملامح الإبداع الإنساني.  تنويه نقدي: سوء استخدام مفهوم المهرجان من المهم، ونحن نبحث في القيمة الثقافية للمهرجانات، أن نتوقف أمام ظاهرة سوء استخدام مصطلح “المهرجان” في سياقات لغوية وتطبيقية تُفرغه من مضمونه الحضاري. فالمهرجان، في جوهره، تظاهرة نوعية تلتزم بمعايير فنية أو فكرية محددة، سواء كانت تنافسية أو استعراضية منظمة. إلا أنّ المشهد المعاصر يشهد توسعاً غير دقيق في استخدام الكلمة، إذ تُطلق على فعاليات تجارية بحتة مثل “مهرجان الخصومات” و**“مهرجان التسوق”** و**“مهرجان التنزيلات”**، بل وحتى على تجمّعات لا تحمل أي مضمون فني أو ثقافي. هذا الاستخدام المفرط والعشوائي يُشوّه المفهوم الأصيل للمهرجان بوصفه حدثاً حضارياً رفيعاً، ويُحوّله إلى مجرد مرادف لـ”الفعالية”، دون مضمون نوعي أو قيمة ثقافية حقيقية.  ركائز الجودة: ما يصنع الفرق بين المهرجان والتجمّع التمييز بين المهرجانات ذات القيمة وتلك العشوائية يعتمد على تطبيق معايير الجودة والاحتراف، وهي الركائز التي تضمن أن يكون المهرجان حدثاً حضارياً راقياً لا مجرد احتفال جماهيري صاخب:  الجهة المنظمة والراعية: ينبغي أن تكون الجهة المنظمة او الراعية ذات مصداقية وتخصص ثقافي أو فني — مثل وزارات الثقافة أو المنظمات الدولية او غيرها — قادرة على تقديم الدعم المالي واللوجستي لضمان الاستمرارية والنزاهة.  لجان التحكيم: تمثل لجان التحكيم المختارة بعناية أحد أبرز مؤشرات الجودة، ويجب أن تضم شخصيات فنية وأكاديمية ذات خبرة دولية، بعيدة عن المجاملات والتعيينات الشكلية والشللية .  تطبيق المعايير والشفافية: تتطلب المهرجانات الرصينة آليات واضحة وشفافة لتقييم المشاركات ومنح الجوائز، استناداً إلى معايير فنية مُعلنة مسبقاً، تكافئ الإبداع الحقيقي لا العلاقات أو المصالح.   انواع المهرجانات الثقافية الفنية  أولاً: المهرجانات السينمائية حيث تولد النجوم والأفلام العظيمة تُعد المهرجانات السينمائية من أكثر المهرجانات تنظيماً وتأثيراً على الصناعة الثقافية، إذ تُسهم في رسم ملامح العام السينمائي العالمي. ويصنفها الاتحاد الدولي للمنتجين السينمائيين (FIAPF) وفق فئات محددة:  الفئة أ التنافسية: وتشمل مهرجانات مرموقة مثل كان والبندقية وبرلين، وتتميز باشتراط العرض العالمي الأول للأفلام المشاركة.  المهرجانات المتخصصة: تركز على نوع محدد من الأفلام، كالأفلام الوثائقية أو القصيرة أو أفلام التحريك.  مهرجانات النوع والرسالة: تُكرّس عروضها لقضايا اجتماعية أو فئات محددة، مثل سينما المرأة أو حقوق الإنسان. فالمهرجان السينمائي ليس مجرد قاعة عرض، بل هو منتدى للأفكار ومختبر للإبداع، وميدان للتفاعل بين الفن والنقد والصناعة. ثانياً: المهرجانات الفنية الروح الحية على خشبة المسرح إذا كانت السينما هي فن الصورة المسجلة، فإن المهرجانات الفنية تمثل الاحتفاء بالفن الحي والمباشر، حيث يلتقي الفنان بجمهوره في لحظة تفاعل إنساني فريدة.  المسرح والأداء: تحتضن مهرجانات المسرح التجريبي والمونودراما تجارب أداء مبتكرة تُبرز مهارات الفنان الفردية.  الموسيقى والأصوات: تمتد من حفلات الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا إلى مهرجانات الجاز والموسيقى الشعبية، في تنوع يعكس ثراء الذائقة الإنسانية.  الفنون البصرية: وغالباً ما تتجلى في المعارض والبيناليات، حيث يلتقي الرسم والنحت والتركيب الفني مع الوسائط الرقمية الحديثة. ثالثاً: المهرجانات الثقافية والتراثية ذاكرة الشعوب الحية تهدف هذه المهرجانات إلى صون الهوية الثقافية والحفاظ على التراث غير المادي بوصفه جزءاً من الذاكرة الجمعية للشعوب.  المعارض والملتقيات الأدبية: تحتل معارض الكتب الدولية موقع الصدارة في هذا النوع من المهرجانات، إلى جانب الندوات الفكرية والمواسم الشعرية.  المهرجانات التراثية والفلكلورية: تحتفي بالعادات والتقاليد القديمة، من الحرف اليدوية والمأكولات الشعبية إلى الرقصات الفلكلورية، فتحوّل التراث إلى منتج ثقافي وسياحي نابض بالحياة.  المهرجانات استثمار في الذاكرة ومستقبل الإبداع إن تنوع المهرجانات، من قاعات السينما الراقية في مراكز الإبداع إلى الساحات التراثية في المهرجانات الشعبية، يمثل استثماراً في الذاكرة الثقافية ورهاناً على مستقبل الإبداع الإنساني. غير أن القيمة الحقيقية للمهرجانات لا تقاس بعدد الزوار أو حجم التغطية الإعلامية، بل بمدى التزامها بالمعايير الفنية والإنسانية التي تمنحها المصداقية والاحترام. علاوة علي التأثير وترك اثر مستدام وبصمة مميزة في مجال المهرجان  المهرجان الراقي هو الذي يكرّس الجمال ويحتفي بالاختلاف، ويمنح المجتمعات مساحات مميز للتعبير المؤثر، مؤكداً أن الثقافة والفن، بكل أشكالها ، هما المرآة الأصدق التي تعكس حيوية الأمم وومض جودة حياة الإنسان فيها.