مهرجان الناظور الدولي كرّمها كشاعرة ومفكرة ومناضلة..

د. سعاد الصباح : الدفاع عن الإنسان هو أعلى مراتب الإبداع.. والحرية ليست شعاراً سياسياً، بل قصيدة تكتب بالعدل والرحْمة.

من المغرب العربي أطلقت الشيخة د. سعاد الصباح نداء صارخاً إلى العالم قائلة: أَنْقِذُوا الإنسانَ مِن العُنْفِ. أنْقِذوا الطفولةَ مِن الجُوعِ والخَرابِ. أنقِذوا الإنسانيةَ مِنْ هذا الصَّمْتِ الجارِحِ. أنقِذُوا الأدَبَ مِن الزَّيْفِ.. أنقِذوا الأطفالَ منَ التِّكنولوجيا المُدمِّرةِ.. أنقِذوا المرأةَ مِنَ التَّسلِيعِ والتَّشَوُّهِ المادِّيِّ والجَرْيِ المَحمومِ وراءَ المظاهِرِ.. أنقِذُوا تاريخَنا مِنَ العَبَثِ والبَلادَةِ.. أنقِذُوا دِينَنا مِن الغُلُوِّ.. أنقِذوا العَقْلَ مِنَ الأَوْهامِ.. أنقذونا، أنقِذوا غزَّةَ مِن الحِصارِ والمَوتِ البَطيءِ.. أنقِذوا أطفالَها الذين ينامُونَ على أصواتِ القنابل بدلاً مِنْ أناشيدِ الحُبِّ والدِّفْء. وأكدت الدكتورة سعاد الصباح في كلمة لها السبت الماضي خلال حفل تكريمها في المهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بمدينة الناطور المغربية، بحضور مستشار جلالة ملك المغرب د. عمر عزيمان، والشيخ محمد العبدالله الصباح نيابة عن والدته الشيخة سعاد الصباح، وعدد من الدبلوماسيين ونخبة من البرلمانيين والحقوقيين والمفكرين ورؤساء وزراء سابقين وأدباء من الوطن العربي ومن أمريكا اللاتينية وغيرها، إنَّ ما يحدُثُ في غزَّةَ، وفي كُلِّ بُقْعةٍ داميةٍ مِنْ وطننا العربيِّ، ليسَ مأساةَ وطنٍ بِعينهِ، بلْ مأساةُ الضَّميرِ الإنسانيِّ كلِّه. وحينَ يعجَزُ السياسيُّ عنِ الكَلامِ، يَبْقى على الشاعِرِ أنْ يرفَعَ صوتَهَ نِيابةً عنِ الطفولةِ الجائِعةِ.. وعن الأمِّ التي تنتظِرُ عودةَ ابنِها، فلا يَعُودُ. وبمناسبة اختيار مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم تكريمها في هذا المهرجان، كشاعرة ومفكرة وامرأة نقشت حضورها في الوجدان الانساني بمداد من جرأة ورؤية، قالت د. سعاد الصباح في كلمتها التي ألقاها نيابة عنها الأديب علي المسعودي مدير دار سعاد الصباح للثقافة والإبداع، قالت: حينَ أعودُ إلى المغربِ، أشعرُ بأنّني أعودُ إلى شيء مِنْ رُوحي. إلى تلكَ الرِّحلةِ الأهمِّ التي رافقْتُ بها صَديقي ورَفيقَ دربي، صديقَ الزمنِ الجَميلِ الشيخ عبدالله المبارك الصباح.. حينَ عرفْنا المغرِبَ وطناً للسلام وللجَمالِ وللإنْسانِ.. وحينَ اكتشفْنا أنَّ في هذا البلدِ مِنَ النُّبْلِ ما يجعلُ الصَّداقةَ عَهْداً.. ومِنَ الذَّاكرةِ ما يجْعَلُ التَّاريخَ كتاباً مَفتوحاً على الكَرامَةِ. وأضافت: هنا يتعانَقُ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ.. تلْتَقي القَصيدةُ بنفْسِها، بتاريخِها، بمُوشَّحاتِها، ويُصافِحُ البحرُ البحرَ، أقْصى نُقطةِ ماءٍ عربيّةٍ معَ أقْصى نُقطةِ ماءٍ عَربيّةٍ.. ويُولَدُ مِنْ هذا اللِقاءِ جَمالٌ عَربيٌّ يُذكِّرُنا بأنَّنا نَسيجٌ واحِدٌ.. قلبنا واحد حزننا واحد.. ولنْ تُفرِّقَنا الجُغرافيا. وعن رحلتها مع الكلمة قالت د. سعاد الصباح: لقدْ كانَتْ رِحلتي مَع الكلمة رحلةَ إنسانٍ يبحَثُ عَنِ المَعْنى المُختلِفِ في زِحامِ التَّشابُهِ. لمْ أكتُبْ لرغبةِ ظُهورٍ أوِ ادّعاءِ وَجَعٍ.. بلْ لأنَّني أَرَدْتُ أَنْ أزْرَعَ وَرْدَةً في قَلْبِ عالَمٍ مُتعَبٍ، فَقَدَ بُوصِلَتَهُ.. ورَكِبَ قِطاراً سريعاً لا يَرى، فدهَسَ الطُّفولةَ، ووضَعَ المرأةَ في العَرباتِ الخلْفِيَّةٍ.. كتبْتُ لأنَّ الحَرْفَ يُمكِنُ أنْ يَكونَ دواءً.. صرَخْتُ لتكون القَصيدةَ طَوْقُ نَجاةٍ.. وليكون صَوتي صَوتاً للمُهمَّشاتِ وللمَحْزونينَ.. وللضعفاء. وكعادتها، لم تنس د. سعاد الصباح فضل زوجها الراحل الشيخ عبدالله المبارك الصباح، فقالت: وضع عبدالله المبارك يدَهُ بِيدي، وشارَكني الرحلة الشاقة.. فواجَهْنا معاً قُطَّاعَ الطُّرُقِ.. وعَبَرْنا الأشْواكَ، وكتبْنا مَسيرةَ النُّورِ.. وشيَّدْنا أركانَ أسْرةٍ جَميلةٍ.. ومِنْ هذهِ الأُسْرةِ عَمِلْنا معاً للإنسانِ.. للوطَنِ. دَافَعْتُ عنْ قَضايا الأمَّةِ الكُبْرى، دعمْتُ قَضايا التعليمِ، أسستُ مع أصدقاء الهمّ المشترك المُنظَّمةِ العربيَّةِ لحُقوقِ الإنْسانِ، لتَكُونَ مِنْبراً للضَّميرِ العَربيِّ.. ونِداءً في وَجْهِ القَهْرِ والعُنْفِ والظُّلْمِ. آمنّا بأنَّ الدِّفاعَ عَنِ الإنسانِ هُوَ أَعْلى مَراتِبِ الإبداع.. وأنَّ الحُريّةَ ليستْ شِعاراً سياسياً، بلْ قَصيدةٌ تُكتَبُ بالعَدْلِ والرَّحْمةِ. مكانة استثنائية بدوره أكد الشيخ محمد عبدالله مبارك الصباح، الذي حضر التكريم نيابة عن والدته د. سعاد الصباح، أكد في كلمة له أن المملكة المغربية الشقيقة بلدٌ يحتفظ بمكانة استثنائية في وجدان الكويت. مضيفاً: بالنسبة لنا في عائلة عبدالله المبارك الصباح، فإن للمغرب موقعًا خاصًا في تاريخنا الأسري. فقد جمعت والدي، الشيخ عبدالله المبارك، بجلالة الملك محمد الخامس ثم بجلالة الملك الحسن الثاني، علاقة خاصة وحميمة. وقال الشيخ محمد العبدالله: تكريم والدتي الدكتورة سعاد الصباح الذي لا يعدّ تكريمًا لشخصها فقط، بل هو تكريم للكويت وللإنسان وللمرأة وللطفل، ولكل القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها. فالتكريم الحقيقي لا يُمنح للأسماء، بل للأفكار النبيلة التي تحملها، فشكرًا للمغرب ملكًا وشعبًا، وشكرا لمن قام على هذا المهرجان النبيل. الوفاء للوفاء من جانبه، شدد المفكر والكاتب العراقي د. عبد الحسين شعبان على أن تكريم د. سعاد الصباح هو اعتراف تستحقه بجدارة ككاتبة ومفكرة وشاعرة ورسامة ومناضلة حقوقية، وهو تكريم للمرأة العربية، فدائمًا ما قاومت سعاد بالقلم والفرشاة وبالكلمات والألوان دفاعًا عن أنوثة حقيقية لا تقبل الانقياد للعادات والتقاليد البالية، بل سعت لتكون شريكةً للرجل. وأكد شعبان أن هذا التكريم لحظة استثنائية لامرأة استثنائية وزمن استثنائي ونحن في بلد استثنائي، يمثّل جسر تواصل إنساني وثقافي بين المغرب العربي والخليج العربي، وبين الحضارة العربية – الإسلامية وحضارات أمم وشعوب متنوّعة ومختلفة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وغيرها. وأشار شعبان إلى أن لهذا التكريم أكثر من رمزية ودلالة وبُعد ذلك فأن الدكتورة سعاد الصباح هي صاحبة مبادرة تكريم المبدعين في حياتهم، وهي من قامت بتكريم كبار المبدعين في الوطن العربي، كما أن هذا التكريم هو إقرار بدور ريادي لحفز الذاكرة كي تكون أداة للتنوير والتغيير، فلطالما صدحت سعاد دفاعًا عن العروبة وفلسطين وقضايا التحرر والتقدم كإحدى القامات السامقة التي تستحق أن تكون في دائرة الضوء. وشدد شعبان على أن تكريم سعاد الصباح إنما هو تكريم للشعر والفن والأدب والقيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة ولحريّة التعبير التي آمنت بها سعاد الصباح، وظلّت خلال السنوات الستين المنصرمة تكافح وتنافح في سبيلها. فقد امتازت سعاد بلغة رشيقة وجملة أنيقة وفكرة عميقة، وهو تكريم للمعنى والدلالة والامتلاء والفيض الإنساني، كما أنه تكريم للثقافة العربية واعتراف بالمنجز الثقافي الإنساني، الذي ظلّت تسعى لبلوغه من خلال توسيع مساحات الحوار والبحث عن تعظيم المشتركات. بين القصيدة والهوية وكان عدد من المثقفين العرب قد أشادوا بأهمية المنجز الشعري والفكري للشيخة الدكتورة سعاد الصباح معتبرين تجربتها في مجال الشعر والفكر من أبرز التجارب النسائية التي استطاعت المزج بين الحس الإبداعي العميق والوعي الهوياتي المتجذر. جاء ذلك في ندوة تكريمية سبقت حفل التكريم حملت عنوان «سعاد الصباح بين القصيدة والهوية.. ملامح امرأة بصمت زمنها»، حيث أكد المفكر العراقي عبد الحسين شعبان أهمية الدور الذي لعبته الدكتورة سعاد الصباح في إثراء الوعي العربي مبرزًا حضورها المؤثر في دعم قضايا المرأة والحرية والفكر المستنير قائلاً إن إنتاجها الأدبي يمثل «علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي الحديث» ومن جهته أعرب الشاعر اللبناني شوقي بزيع عن تقديره الكبير لتجربة سعاد الصباح الشعرية مسلطا الضوء على دورها في تجديد القصيدة العربية وإغنائها برؤية إنسانية عميقة مشيرًا إلى أن صوتها الشعري يتميّز بفرادة لا تخطئها الأذن العربية. وقد أجمع المتحدّثون على أن تكريم الشاعرة سعاد الصباح هو تكريم للثقافة العربية نفسها ولرمزٍ نسائي استطاع أن يجسد الإبداع والمسؤولية الفكرية وأن يترك أثرًا خالدًا في الوجدان العربي كما شددوا على أن هذا التكريم يعكس في جوهره دور دولة الكويت كمنارة للثقافة العربية وراعية للإبداع في الوطن العربي.