محمد الهليل مخرج سعودي من مواليد الأحساء، بدأ مسيرته في صناعة الأفلام في سنّ مبكرة، إذ أنجز أول أعماله عام 2011 وهو في الثالثة عشرة من عمره. منذ تلك البدايات، أظهر اهتمامًا حقيقيًا بلغة الصورة، ودرّب نفسه على أدوات السرد البصري، مما جعله من أوائل المخرجين في جيله الذين انتقلوا من التجارب الفردية إلى الحضور في المهرجانات الإقليمية والدولية. حققت أفلامه عدداً من الجوائز اللافتة، منها جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان بيروت السينمائي الدولي، وجائزة المهر الفضي في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وجائزة أفضل مخرج في مهرجان أفلام السعودية، ما رسّخ مكانته ضمن الأصوات السينمائية السعودية الصاعدة. إلى جانب السينما، خاض الهليل تجارب ناجحة في الدراما التلفزيونية، أبرزها مسلسل فندق الأقدار ومسلسل هزاع، حيث واصل أسلوبه القائم على الواقعية والاهتمام بالتفاصيل الإنسانية الدقيقة. يمثل الهليل نموذج المخرج الذي تشكّل بالعمل والممارسة، اجتهد وسعى إلى إثبات نفسه وبناء أسلوبه الخاص. في هذا الحوار، يتحدث عن بداياته، وعن نظرته للسينما السعودية، والعلاقة بين الموهبة والتعلّم، وطبيعة التحديات التي يواجهها المخرج الشاب في بيئة سينمائية واعدة وتنافسية تتطوّر سريعا. *كيف بدأت رحلتك مع السينما؟ متى بدأ اهتمامك بها، وما الأسماء أو التجارب التي تركت أثرها فيك ودعمت قرارك بدخول المجال؟ -مثل الأغلب، منذ طفولتي كنت محباً للأفلام والمسلسلات، خصوصاً المحلية. في 2010 اكتشفت أنه يوجد حركة سينمائية سعودية وأفلام رائعة لمخرجين مهمين مثل عبدالله العياف وبدر الحمود. شعرت حينها، وبغرور البدايات أن بإمكاني صناعة أفلام. مع مرور الوقت، بدأت أكتشف السينما المستقلة، وشاهدت أفلام عباس كيارستمي، وودي آلن، وأصغر فرهادي، والأخوين داردين وغيرهم، والذين كان لهم دور كبير في اكتشاف السينما التي أودّ صنعها. *كيف بدأت تجربتك الفعلية في الإخراج؟ وكيف تمكنت من تجاوز صعوبات البداية وتقديم نفسك كمخرج في الساحة السينمائية؟ -أتذكر الذهاب لأول موقع تصوير دون أن أعرف حقاً ماذا يعني أن تكون مخرجاً. صنعت أفلاماً كثيرة متواضعة من خلال الاستعانة بالأشخاص من حولي مثل أصدقائي وأقاربي، صنعت ما يقارب عشرة أفلام لكن دون تقدم ملحوظ. البداية الفعلية حين تعاونت مع يعقوب المرزوق والذي يسبقني خبرة، حينها عمل مونتاج فيلم “أنا وأبوي” وفاز بجائزة أفضل فيلم إنساني في مهرجان الأفلام القصيرة عام 2014. ثم أنتجنا فيلم “ماطور” عام 2015 والذي شارك في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وفاز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان بيروت السينمائي الدولي. *هل درست الإخراج السينمائي؟ وكيف تنظر إلى العلاقة بين الدراسة الأكاديمية والموهبة في تكوين المخرج؟ -بداياتي في صناعة الأفلام كانت منذ المرحلة المتوسطة، لكن كنت دائماً أشعر أنها ستكون هواية فقط، لذلك درست القانون. لكن في سنتي الثانية، وبعد أن عُرض عليّ إخراج فيلم “أربعون عاماً وليلة”، عرفت أنها ستتعدى الهواية. أعتقد أن دراسة الإخراج السينمائي تختصر الكثير من الوقت، خصوصاً إذا اكتملت مع الموهبة. *ما نوع الأفلام التي تفضل مشاهدتها؟ وهل تسعى لإخراج أعمال تعبّر عن هذا الميل الفني، أم أن هناك عوامل أخرى تؤثر في اختيارك للمشاريع؟ -أحب كثيراً السينما الواقعية، والتي يغلب عليها الصدق والعفوية ونرى فيها الحياة اليومية لأشخاص يشبهوننا. مثل أفلام الأخوين داردين وأصغر فرهادي وعباس كيارستمي، ودائماً ما أحاول صناعة أعمال لها نفس الطابع، قريبة من تفاصيل الإنسان البسيطة وبعيدة عن الدراما المفتعلة. *حدثنا عن العمل الأقرب إليك، ولماذا تراه مميزاً مقارنة بتجاربك الأخرى؟ -كل التجارب قريبة وتعلمت منها الكثير، لكن قد يكون الأقرب هو فيلم “300 كم”، وهو فيلم قصير أخرجته في عام 2016 من بطولة خالد صقر وزارا البلوشي وإبراهيم الحجاج. أحب كثيراً هذه التجربة وحالة التدفق التي كنت فيها وقت صنع الفيلم، والمحددات التي وضعتها على نفسي، مثل عدم خروج الكاميرا من السيارة طوال الفيلم. *كيف تصف تجربتك في مسلسل هزاع، وما الذي ميّز هذا العمل بالنسبة لك عن بقية تجاربك الإخراجية؟ -تجربة رائعة. كنت محظوظاً بالعمل مع أشخاص رائعين، تجمعني علاقة جيدة مع المنتجين وكان لدينا نفس الهم طوال الوقت، تقديم مسلسل بجودة عالية. أيضاً كنت سعيداً بالعمل مع خالد صقر، وهو صديق وبيننا تفاهم وكيمياء عالية، خصوصاً وأنها التجربة الرابعة التي تجمعنا. لذلك كان الانسجام بين فريق العمل عاملاً أساسياً في نجاح المسلسل. *هل هناك أسماء أو شخصيات كان لها أثر واضح في مسيرتك وساهمت في دعمك أو توجيهك خلال مشوارك السينمائي؟ -محظوظ جداً بصداقتي مع أشخاص رائعين، كان لهم دور كبير في صقل تجربتي ومنحي الثقة للاستمرار. آمنوا بأفلامي مثل يعقوب المرزوق، ومحمد الفرج الذي جعلني أحب السينما أكثر وكان نافذة لمعرفة الكثير من المخرجين حول العالم. ولا أنسى أحمد الملا، مدير مهرجان أفلام السعودية، الذي كان وما زال داعماً ومؤمناً في تجربتي وتجارب الكثير من المخرجين السعوديين. * في ظل الدعم الواسع الذي تحظى به صناعة السينما في السعودية اليوم، ما الذي يمكن اعتباره التحدي الحقيقي أو العائق المتبقي أمام تطورها؟ -لا أعتقد أن ثمة معوقات سوى الوقت. لا زلنا سينما ناشئة ونحتاج إلى المزيد من الوقت لتزداد الإنتاجات وذلك بدوره سينتج لنا تجارب أكثر وأعمال أفضل. *كيف تصف أسلوبك في التعامل مع الممثل أثناء التصوير؟ وهل تواجه أحياناً صعوبة في إقناع الممثلين أو المنتجين برؤيتك الإخراجية؟ -العلاقة مع الممثل قائمة على مبدأ النقاش، خصوصاً وأن جميع الممثلين الذين عملت معهم أصحاب خبرة أو موهبة رائعة. ودائماً ما يضيفون عمقاً للشخصيات من تجاربهم الشخصية فيصبح الأداء أكثر صدقاً وقرباً من الواقع. *كيف تقيّم دور مهرجان أفلام السعودية ومهرجان البحر الأحمر، إلى جانب مؤتمرات النقد السينمائي، في تطوير المشهد السينمائي المحلي؟ وما الأثر الذي تركته هذه المنصات في تجربتك الشخصية كمخرج؟ -أعتقد أن عودة مهرجان أفلام السعودية عام 2015 صنعت الفارق في المشهد السينمائي كاملاً، حيث أصبح لنا منصة لعرض أفلامنا واللقاء بأشخاص يشاركوننا نفس الشغف. معظم الأشخاص الذين عملت معهم تعرفت عليهم من خلال المهرجان، وما زال المهرجان يقدم ذلك. مهرجان البحر الأحمر لا يقل أهمية، حيث يقدم دعماً للمشاريع كل عام، وكنت محظوظاً بدعم فيلمي (أربعون عاماً وليلة)، بالإضافة إلى أهميته في عرض أفلام مستقلة رائعة كل عام. أما بخصوص مؤتمرات النقد، فهي مهمة لخروج أصوات نقدية رصينة، وهو أمر ضروري للصناعة، ويمنح المشهد السينمائي لدينا حيويته واستمراره. *ما النصيحة التي تودّ توجيهها للمخرجين الشباب الذين يطمحون لدخول هذا المجال؟ -أحب كثيراً جملة المخرج بونغ جون هو، وأحاول تذكير نفسي بها دائماً: “الأكثر شخصية، هو الأكثر إبداعاً”. هذه العبارة تؤكد على أن المخرج الحقيقي هو من ينطلق من تجربته وبيئته الخاصة ليصل إلى العالم. *حدثنا عن أهدافك وخططك ومشاريعك المستقبلية. -أعمل على تطوير مشروع فيلم طويل مع الكاتب مفرج المجفل، بالإضافة إلى الجزء الثاني من مسلسل (هزاع). كذلك أقوم بتطوير عدة مشاريع أخرى تحت (أفلام تناص)، والتي تركز على ابتكار وتطوير أعمال أصيلة. b_a_2017@