في ثلاثة أفلام ..

صرخات هندية وعربية وتركية ضد تأجير الرحم .

تخيّل شابة فقيرة في قرية صغيرة تتلقى عرضاً ماليًا كبيرًا مقابل ماذا؟ مقابل حمل طفل لزوجين أجنبيين. تقبل، وتحلم بمستقبل في المدينة، ثم يتراجع الزوجان فجأة. هكذا يبدأ الفيلم الهندي ميمي (2021)، ليفتح باباً واسعاً على قضية تأجير الرحم، قضية تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، وتثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول الأمومة، والاستغلال، والهوية. يقدم الفيلم نموذجاً سينمائياً يجمع الدراما بالكوميديا ليستكشف هذه المعضلة بطريقة مؤثرة، ويصبح مرجعاً لفهم كيف تعكس الأعمال الفنية رفضاً مجتمعياً متكرراً لهذا المفهوم. يبدأ الفيلم مع ميمي، شابة في راجستان تحلم بالتمثيل في مومباي. يأتيها عرض من زوجين أمريكيين لتحمل طفلهما مقابل مبلغ مالي كبير. تقبل العرض لتحقيق طموحها، لكن الزوجين يتراجعان بعد اكتشاف إعاقة في الجنين، تاركينها أمام خيار مصيري: الاحتفاظ بالطفل أم التخلي عنه. يبني “ميمي” قصته على تحول الشخصية الرئيسية من امرأة تسعى للمال إلى أم تكتشف عمق الأمومة. يستخدم المخرج “لاكسمان أوترو” أسلوباً كوميدياً في البداية ليخفف حدة الموضوع، ثم ينتقل إلى دراما عاطفية تبرز الصراع الداخلي. يظهر الفيلم كيف يستغل الفقر النساء، وكيف ينظر المجتمع الهندي التقليدي إلى الأم غير المتزوجة بعين الشك. يعتمد على أداء “كريتی سانون” القوي، التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في جوائز فيلمفير، ليحول القضية إلى تجربة إنسانية. ينتقد الفيلم فكرة بيع الأمومة، ويؤكد أن الارتباط بالجنين يتجاوز أي عقد تجاري. يعكس هذا النهج رفضاً ضمنياً لتأجير الرحم كحل عملي، ويبرز أن الأمومة تتجاوز الجينات والمال. يمتد هذا الرفض إلى أعمال درامية عالمية تتبع نمطاً مشابهاً في معالجة الموضوع. في المكسيك، يقدم مسلسل La Sustituta (2021) قصة فالنتينا، امرأة فقيرة تجبرها الظروف على تأجير رحمها لعائلة ثرية. يحول المسلسل العلاقة إلى صراع نفسي مليء بالأسرار والعنف. يصور الأم البديلة كضحية لنظام طبقي، ويعكس تأثير الكاثوليكية في رفض المجتمع المكسيكي لهذا الاختيار. يستخدم الإثارة ليبرز العواقب، ويؤكد أن المال يفتح أبواب الشقاء أكثر مما يحل المشكلات. في السياق العربي، يأتي مسلسل صلة رحم (2024) كعمل مصري يتناول الموضوع مباشرة. يروي قصة طبيب يسرق بويضات زوجته ويزرعها في رحم امرأة فقيرة بعد فقدان زوجته قدرتها على الحمل. يثير المسلسل نقاشاً دينياً وقانونياً، ويستضيف الشيخ خالد الجندي ليؤكد تحريم اختلاط الأنساب. ينتهي برسالة واضحة: الأمومة تتعلق بالروابط الطبيعية، والتدخل الطبي يولد تعقيدات نفسية واجتماعية. يعتمد الأداء التمثيلي الرائع على إياد نصار ويسرى اللوزي وأسماء أبو اليزيد ليصور الصراع كمعركة أخلاقية. يتابع مسلسل القدر (2025)، المقتبس من عمل تركي، نفس الخط. يتناول زوجين يلجآن إلى أم بديلة بسبب العقم، لكن الاختيار يؤدي إلى خيانة وانهيار عائلي. يعزز الرفض من خلال إظهار العواقب، ويبرز أن الطفل يصبح مصدر توتر دائم. يمزج الدراما بالتشويق ليؤكد أن الحلول الاصطناعية تفشل أمام العواطف الإنسانية. في الهند قبل ذلك، قدم فيلم فيلهال (2002) صديقة تحمل لطفل صديقتها العقيمة، لكن الارتباط يدمر الصداقة. يرفض المجتمع الفكرة، ويؤكد أن الأمومة تتجاوز الصداقة. يعتمد على أداء تابو وسوشميتا سين ليصور التحول العاطفي. أما في بريطانيا، فيأتي مسلسل The Nest (2020) ليصور زوجين ثريين يستغلان فتاة فقيرة، لكن الغيرة تحول الحلم إلى كابوس. ينتقد الاستغلال الطبقي، ويعكس نظرة علمانية ترى في التأجير تسليعاً للجسد. حتى في أمريكا، حيث يسمح القانون في بعض الولايات، يظهر فيلم The Baby Maker صراعاً قانونياً وعاطفياً حول طفل أم بديلة. يبرز أن العقد يفشل أمام العاطفة. وفي الخيال العلمي، يأخذ مسلسل The Handmaid’s Tale الفكرة إلى الرعب، حيث يجبر النظام النساء على الحمل القسري. يرفض الاستغلال إنسانياً، ويصور الأمومة كحق أساسي. تتفق هذه الأعمال على أنماط متكررة تعكس رفضاً مجتمعياً عالمياً. يظهر الاستغلال الاقتصادي كمحور رئيسي: الأم البديلة تأتي دائماً من الطبقة الفقيرة، والزوجين من الأثرياء. يولد المال صراعاً طبقياً ينتهي بكارثة. يبرز الصراع العاطفي كعنصر حاسم: الأم البديلة تطور ارتباطاً بالجنين، مهما حاولت مقاومته. يدمر هذا الارتباط العقود، ويحول الفرح إلى ألم. يعكس الرفض الديني والاجتماعي تنوعاً ثقافياً: في الهند، تحمي التقاليد العائلية الأنساب؛ وفي العالم العربي، يحرم الإسلام اختلاط الوراثة؛ وفي أمريكا اللاتينية، ترفض الكاثوليكية تدنيس الأمومة؛ وحتى في المجتمعات العلمانية، يُنظر إلى التأجير كتسليع. تظهر العواقب طويلة الأمد كدليل قاطع: الطفل يواجه أسئلة الهوية، والأم تعاني الندم، والزوجين يفقدان السيطرة. يصبح فيلم ميمي مرآة لضمير إنساني مشترك. من مومباي إلى مكسيكو سيتي، من القاهرة إلى لندن، تتكرر القصة: تأجير الرحم يولد معضلة تكلف الجميع ثمناً باهظاً. تفقد الأم جزءاً من إنسانيتها، ويفقد الطفل وضوح هويته، ويفقد المجتمع قيمه. تؤكد السينما أن الأمومة تظل مقدسة، وأن الحلول الاصطناعية تفشل أمام الطبيعة البشرية، مهما تقدم الطب. لكن في المستقبل لا نعلم ما الذي ستطرحه الأقدار!.