الخمسينيون وجيل «زد».

يدفعك التباين الملحوظ للتأمل والتحليل ويُصيبك قدر من الحيرة والاضطراب حينما تقارن عمرك الخمسيني بعمر والدك في ذات المرحلة والبون الشاسع بينهما ؛ فتشعر معه بوجود فروقات شاسعة لا تجد لها تفسيراً واضحاً وتعليلاً منطقياً يزيل الحيرة والغبش ويوضح تلك الفروقات الجليّة . لقد كنا ننظر إلى آبائنا وأصدقائهم في ذلك العمر على أنهم كهول ووجوه شابت ، يغلب على لحاهم البياض ، وتظهر عليهم رثاثة الثياب ، وبطء الحركة ، وتمهل الخطوات التي توحي بالكبر والثقل ، فضلاً عن تساقط الأسنان وإهمالها ، والأشد مضاضة من كل ذلك ، هو الحمل الثقيل لهم الأولاد ومتاعب معيشتهم ، وهو ما لم ندركه حق الإدراك إلا في كهولتنا. هل كان للحياة الاجتماعية السائدة دور في إكسابهم تلك السمات والصفات ؟ أم أن هذه النظرة القاصرة منا تجاه الجيل السابق تتكرر اليوم ، حيث يرى جيل «زد» الخمسيني والستيني كهلاً وشيخاً ؟ وهل يُعد العمل الشاق والكد المتواصل سبباً في ظهور علامات الشيخوخة المبكرة ؟ لاشك أن عوامل كثيرة قد غيرت من أشكالنا ؛ مثل تطور وسائل الترفيه ، وإيقاع الحياة المتسارع ، والتحسن في معايير الصحة العامة . أعتقد أن الأمر مزيج من كل ذلك . وبلا شك ، فإن النظرة العامة لمراحل الأعمار ، وخاصة مرحلتي الكهولة والشيخوخة ، قد تأخرت حوالي خمسة عشر عامًا ، كما أن المتوسط الحسابي للأعمار قد ازداد خلال الخمسين سنة الأخيرة . خاصة في بلادنا ولله الحمد . وربما استقلال الأولاد عن آبائهم زاد في وقت آبائهم مما ساعد على الاهتمام في ذواتهم . لكن ، لكل مرحلة عمرية ضريبة يدفعها الفرد مهما تنوعت أوجه الحياة . وإن نسيت فلا أنسى المكياج وصبغة الشعر فهما فرسا رهان في بث روح النشاط والحيوية في جميع مراحل العمر بل والحياة أجمع فأنتجت لنا ( الشيخوخة النشطة ) ووقانا الله وإياكم انتفاضة الموت . وفي الصعيد نفسه يحدثنا ستيفان سفايغ في ذاكرة الأمس عن والده وجيلهم فيقول : « كانوا جميعاً رجالاً مكتنزين وجديرين بالاحترام وهم في الأربعين . كانوا يمشون في بطء ، ويتكلمون كلاماً منتظم اللهجة ، وفي أثناء أحاديثهم ، يمسّدون لحاهم المهندمة التي وخطها الشيب في الغالب. ولكن الشيب كان مجرد علامة جديدة من علامات الوقار، وكان الرجل الرزين يتفادى عن وعي إشارات الشباب المرحة لكونها غير لائقة. ولا أذكر أبداً أنني رأيت والدي يرتقي أو يهبط الدرج ركضاً، أو يتعجل في عمل شيء. فالعجلة لم تكن تعتبر سلوكاً غير مهذب فقط ، بل غير لازمة بالفعل. فذلك العالم البرجوازي المستقر، والمسيج بالضمانات العديدة الضئيلة، لم يكن يحدث فيه أمر غير متوقع والكوارث التي كانت تقع في خارج ذلك العالم لم تكن لتخترق الجدران القوية للعيش الآمن ، كان أبوىّ يمران على تقارير الحرب في الصحف كما يمران على أخبار الرياضة .. « اللهم أحسن خاتمتنا، ومتعنا بالصحة والعافية، وارزقنا القناعة والرضا. * بريدة