الصحافة وتحولات الأسلوب.

حضرتُ الأسبوع الماضي محاضرة للدكتور منصّر الحارثي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة قسم الاتصال والإعلام كانت بعنوان “الصحافة في المدينة المنورة”، تحدث فيها إجمالًا عن تاريخ الصحافة في المدينة المنورة وأبرز مراحلها وسماتها. الموضوع واسع، لكن الذي لفت نظري سؤال عن أسلوب الكتابة الصحفية في عصرها الراهن مقارنة بعصور سابقة قبل صحافة المؤسسات، حيث تميزت الصحافة بالأسلوب الأدبي بحكم أن معظم من يعملون فيها أدباء ومثقفون، لذلك كانت الصحافة في تلك الحقبة سجلًا حافلًا بإبداعاتهم ومعاركهم الأدبية والثقافية. أقدم رأيي بحكم أنني واكبتُ جانبًا من تلك المرحلة محررًا في أكثر من صحيفة، حيث برز ما يسمى لدى بعض الصحف Style Book أو “كتاب الأسلوب”، وكان أشبه بدليل تحريري داخلي لكل صحيفة أو مؤسسة إعلامية، يهدف إلى توحيد اللغة والأسلوب والمعايير التحريرية بين جميع الكتّاب والمحررين في الجريدة. كنا بالفعل نتبع ذلك الأسلوب، نقرأه ونتدرب عليه، ومع الزمن هضمناه وأصبحت لنا بصمتنا التحريرية وهويتنا الكتابية. من قرأ صحيفة الوطن وعكاظ والمدينة والرياض وغيرها يدرك بعض الفروقات في أسلوب الكتابة المتعلقة بطريقة كتابة الاسم وتوصيف المنصب، وكتابة أسماء الأعلام والأماكن وغير ذلك، حيث كان لكل صحيفة سماتها وأسلوبها. يحتاج مثل هذا السؤال حول أبرز سمات الكتابة في الصحافة المعاصرة إلى دراسات علمية يمكن أن تتكئ على أرشيف الصحف وتقف على جانب من المواد التحريرية الورقية قبل انحسار صحافة الورق، شريطة أن تشمل عددًا من الصحف المحلية الورقية. لا شكّ أن وجود هوية بصرية للصحيفة، إلى جانب أسلوب كتابي مميّز، يمنحها قوة وميزة تجعل القارئ يتعرّف على موادها حتى عند تداولها. ومع دخول الذكاء الاصطناعي طرفًا في العملية الإعلامية، تغيّر أسلوب الكتابة؛ إذ تشير الدراسات إلى أن الكتابة الآلية في الإعلام تُنتج نصوصًا سريعة تعتمد على الخوارزميات، لكنها تفتقر إلى الحسّ الإنساني والزاوية الشخصية، ويغلب عليها تكرار الأنماط اللغوية المنهجية والحياد المفرط وضيق البعد التأويلي، مع احتمالٍ أكبر لوجود أخطاء أو تحيّزات مبرمجة. بينما تتميّز الكتابة الصحفية التقليدية بروح الصحفي وخبرته، إذ تُبرز صوته المهني وتربط الحدث بسياقه الإنساني والاجتماعي. وكما كانت كتب الأسلوب تحفظ هوية الصحيفة وبصمتها، فإن التحدي اليوم هو الحفاظ على تلك البصمة الإنسانية في زمنٍ تتسابق فيه الخوارزميات على صناعة المحتوى.