أسس نادي أُحد وجمعية الثقافة وأسهم في تأسيس « أدبي » المدينة ..
حسن الصيرفي..شاعر طيبة الطيبة ورائدها الرياضي .
يبرز الشاعر والأديب الراحل حسن مصطفى الصيرفي رحمه الله، في قمة رواد الحركة الأدبية والثقافية والصحفية والاجتماعية والرياضية في المدينة المنورة، حيث كان متعدد المواهب، متنوع النشاط، شغوفًا بالتطوير والتنوير، ومحبوبًا من الجميع بسبب طيبته وتواضعه وحرصه على النجاح والتميز في أي مجال يطرقه. ولد حسن مصطفى الصيرفي بالمدينة المنورة عام 1336هـ (1918م) ووالده الشيخ مصطفى العقبي كان شيخ الصاغة والصيارفة، وفي صغره قرأ حسن الصيرفي القرآن في كُتَّاب العريفي بن سالم والشيخ بشير وأبنائه بعده، وأتم حفظ كتاب الله وهو دون سن البلوغ، ثم التحق بمدرسة العلوم الشرعية، ثم المدرسة الابتدائية، بعدها انتقل إلى المسجد النبوي الشريف وطلب العلم فيه على أيدي كبار العلماء، ودرس في المدرسة التحضيرية السعودية، فالمدرسة الابتدائية، ثم بمعهد الدراسات الليلي للمعلمين، وآخرها مدرسة اللغة الإنجليزية التابعة لوزارة المعارف التي درس بها لمدة ثلاث سنوات ونال شهادتها. التقى به الدكتور علي زين العابدين الحسيني في منزله بالمدينة المنورة، وكتب عنه في مقال نشر بمجلة (النيل والفرات): “كان مولده ليلة الاثنين كما حدَّثني بذلك، وتوجَّه منذ صغره لحفظ كتاب الله كما هي العادة المألوفة آنذاك، فحفظ القرآن الكريم وسنُّـه دون البلوغ على الشيخ عبد القادر بشير، ثم التحق بحلقات العلم في المسجد النبوي الشريف، وظهر نبوغه وتـفوقه على أقرانـه، وحصَّل العلوم في أقصر مدَّة، فأخذ عن الشيخ محمد الطيب الأنصاري، وقرأ فقه المالكية على الشيخين محمد أحمد بن محمد التكينة السوداني، والشيخ الميلود بن أبي بكر الجزائري، وسمع الأولية من الشيخ عمر بن حمدان الـمحرسي المشهور بـــ “محدث الحرمين”، وأجازه الشيخ صالح بن الفضيل التونسي، والشيخ عمر بري، والشيخ محمد الطيب الأنصاري، وغيرهم، وفي كلامه عنهم يجلهم ويوقرهم، ويتحدث عنهم حديث العارف لفضلهم. ولهؤلاء الأعلام المذكورين عملٌ كبيرٌ وتاريخٌ باهرٌ في الحياة المدنية العلمية والحضارية، قد كانت أسماؤهم معروفة ومشهورة، يعرفها القاصي والداني، فهم أرباب الإحياء العلمي الحقيقي في المسجد النبوي آنذاك، وقد اعترف لي بفضل شيخه محمد الطيب الأنصاري عليه، حيث وجد فيه العالم الصادق الحريص على تعليم طلابه، وتزويدهم بالكثير من المهارات”. حياته العملية تنوعت المجالات العملية للشاعر الراحل الذي عمل صائغًا وجواهرجيًا بحكم عمل والده شيخ صاغة المدينة، فأتقن الصنعة وكان من أمهر الصائغين، ثم بدأ الحياة الوظيفية مفتشًا في إدارة الحج، وعمل كاتب ضبط ومدقق حسابات في الأمن العام وشرطة المدينة المنورة، ثم مدعيًا عامًا، وكان عضو المجلس الإداري بالمدينة المنورة لعدد من الدورات. وفي المجال الرياضي، أسس صيرفي نادي أحد الرياضي عام 1355هـ (1936م)، وتولى رئاسة النادي لفترة من الزمن، وفي المجال الفني اشترك في جماعة هواة التمثيل، ومنهم: محمد عالم أفغاني، وأحمد رضا حوحو، وفي المجال الصحفي شارك السيدين الراحلين علي وعثمان حافظ في تأسيس جريدة المدينة المنورة عام 1356هـ، واشتغل الصيرفي بالتحرير في جريدة المدينة المنورة، كما عمل محررًا مع مجلة الإذاعة. وفي المجال الأدبي ساهم مع محمد هاشم رشيد، وعبد الرحيم أبي بكر، والدكتور محمد عيد الخطراوي، وعبد الرحمن الشبل، وهاشم حافظ، وعبد الرحمن رفة في تأسيس (أسرة الوادي المبارك)، وهي جماعة أدبية نشأت بالمدينة المنورة في السبعينيات الهجرية من القرن الماضي وانتخب أمينًا لها، وكانت النواة لتأسيس النادي الأدبي بالمدينة المنورة، حيث طالب الصيرفي بذلك واستجيب لطلبه، بعدها أسس جمعية الثقافة والفنون بالمدينة المنورة. وعن ذلك قال رحمه الله في حفل تكريمه باثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة عام 1413هـ: “كان الواحد منا في تلك الفترة لا يعرف ماذا يصنع، فهو يريد أن يغني، ويريد أن يكون موسيقيًا، ويريد أن يكون كاتبًا، ويحاول نظم الشعر، وتتنازعه مجموعة من الأغراض الفنية حتى ييسر الله له من يفهم اتجاه رغبته، فيرشده إلى الطريق التي توصله إليها لناحية واحدة من هذه النواحي؛ أما إذا ظل يتخبط بين الجميع فالنتيجة أن يطبق عليه المثل الفرنسي الذي يقول: “من يحفظ 9 صنائع يبيت جائعًا”؛ لأنه لن يستطيع أن ينجز واحدة”. أسلوبه الشعري كان الصيرفي يكتب الشعر بالعربية الفصحى وله قصائد أيضًا بالشعر النبطي، وعرف عنه إدخال بعض الكلمات العامية في أشعاره، وعن ذلك قال رفيق دربه الدكتور محمد الخطراوي في كتابه (أسرة الوادي المبارك في الميزان) حين تحدث عن علاقة الأسرة بالعامية قائلًا: “الشاعر حسن مصطفى صيرفي، كان يملّح بعض أشعاره بالعامية، وكان يعتقد أن ذلك البهار الذي يضعه في أثناء قصائده أمر مشروع، ولا غضاضة فيه) مستشهدًا بعدد من نصوصه الفصيحة بينها (سيارتي) من ديوانه (دموع وكبرياء) وقصيدته (مسكينة) الأخيرة التي أهداها لمعالي الشيخ محمد سرور الصبان”. وقال عنه أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال مائة عام): “والأستاذ الصيرفي من طلائع شعراء المدينة المنورة في العصر الحديث وله غزل رقيق واجتماعيات رصينة، وقصائد وجدانية فيها كثير من الشفافية والجمال. كما عُرف بقصائده التي ينتقد بها الأوضاع الاجتماعية بأسلوب سهل مبسط يعتمد على اللغة الشعبية وبقصائده التي تحمل روح الدعابة والفكاهة مدارها أن النقد الحاد يحمل المنقود على التحدي والعناد، ولكن النقد المرح الفكه يبعثه على الضحك ويدفعه إلى الاستجابة دون الشعور بالحرج”. وللصيرفي قصائد مغناة فهو من كتب كلمات الأغنية الشهيرة (لالا يالخيزرانة في الهوى ميلوكي ..لالا وان ميلوكي مالت الروح معاكي) التي غناها العديد من الفنانين مثل طلال مداح ومحمد عبده وفوزي محسون وابتسام لطفي والفنان الشعبي عابد البلادي وغيرهم. كما كان صاحب كلمات الأغنية الشعبية (سافروا ما ودعوا سيبوني وراحوا.. سيبوني للنوى أنكوي بجراحو) وهي الأخرى غناها عدد من المطربين كان أولهم الفنان عبدالعزيز شحاته وهو من فناني المدينة القدامى، كما شدت بها ابتسام لطفي. أما أول قصيدة كتبها فتقول كلماتها: حدا حادي التشتيت بيني وبينهم فَوَا أسفا كيف استباح دمائيا؟ ألم يدر أن الموت أهون غصة إذا قسته يوماً ببعض مصابيا؟ أفاطم لو تدرين بعض تفجعي عليك لرقيت لما قد أعانيا لقـد كدت أخفى فقولي قـد اختفى فلولا ندائي ما رُئيت لرائيا إلى أن قال: ألا يا حمام الدار هلا أعرتني جناحك كي أغدو لإلْفِيَ شاكيا؟ سأشكو لـه هجراً يمزق مهجتي وأجعله خصماً يكون وقاضيا وتعد قصيدة “أمجاد المدينة” من أشهر قصائده، وقصتها كما رواها بنفسه: “أذكر أنني في يوم كنت مع أخي وصديقي محمد هاشم رشيد، نقفز من هضبة إلى هضبة في جبل السلع، ونشرف على ميدان معركة الخندق؛ وسمعنا قصيدة حافظ إبراهيم (رحمه الله) عن مصر تتحدث عن نفسها، وفي ذلك الوقت كنا نسمى من المخضرمين الذين رافقوا الشعراء القدامى، وعاصروا الشعراء المحدثين بالنسبة لتلك الأيام، أذكر أنني قلت له: إن المدينة أحق بمثل هذه القصيدة؛ وكان نظام المعارضة موجودًا، فكل القصائد التي قالها شوقي (رحمه الله) لا تزيد عن كونها معارضات لقصائد من أمثال نهج البردة، وغيرها..، وأيضًا نفس قصيدة حافظ إبراهيم هي معارضة لقصيدة غيرها، فنظمت قصيدتي: “أمجاد المدينة” قلت فيها: وقف الناس ينظرون مناري كيف شع الهدى على كل نجد أنا دار الإيمان والمثل العليا ورمز الخلود في كل مجد أنا إن بدد الزمان شعاعي لن ترى النور هذه الأرض بعدي أنا خير البقاع كرمني الله بخير الأنام في خير لحد أنا قابلته بأرحب صدر ثم أودعته حشاشة كبدي أنا لا أملأ البلاد ضجيجاً خادعاً كالسراب ليس بمُجْدِ أنا فيما مضى صنعت كثيراً وسيبني الجديد لا بد زندي الأثير الَّذي به يتباهون لقد كان لي كأطوع عبد وجيوش السماء في يوم بدر نصرت معشري بأكرم جند والأعاصيــرُ والريـــاحُ بسِـــلْعٍ مزقت شمل قاصدي بالتحدي أنا هذا الَّذي ذكرت فمن ذا يرفع الرأس بعد هذا التحدي إن أكن عاقني البنون فإني لا أبالي وقد وفيت بعهدي أو أكن حطم البغاة جناحي جبر الكسر بعدها صقر نجد لم يزل يصنع الكثير إلى أن عاد نبع الحياة في سفح أحد فإذا بالشباب يسعى حثيثاً مبعداً عن حنان أمِّ وجدي ينهل العلم حيث كان ليأتي بعد حين به يجدد بردي سدد الله للصواب خطاهم إنه يسمع الدعاء ويهدي وقال عنه اللواء محمد نيازي مراد في الاثنينية: “في عام 1380هـ خصصت دولة الباكستان جائزة كبرى لأحد المواضيع الثلاثة: “الإسلام وحدة عالمية - عن الشاعر محمد إقبال - الباكستان” وشارك الشاعر الصيرفي بقصيدة عن (الإسلام وحدة عالمية)، ونال بهذه القصيدة الجائزة الأولى؛ يقول في قصيدته: نور تألق في الصحراء والحرم هداية الله كالنبراس في الظلم ما زال يرسل في الدنيا أشعته حتى تبلج ضوء الصبح للأمم والصيرفي يشارك بشعره في كل حدث على المستوى الداخلي والخارجي، فقد وصف في ديوانه: “دموع وكبرياء” دولة مصر وحرب بورسعيد، ووصف الجزائر ومعاناة شعبها للاستعمار، ووصف حريقًا بمكة، وتحدث عن فلسطين وشعبها..، فلم يترك شاردة ولا واردة من الأحداث إلاَّ حكاها شعراً”. رائد رياضي وشعري ترك الصيرفي ثلاثة دواوين شعرية كان أولها ديوان (قلبي) الذي صدر عام 1360هـ في القاهرة، ثم ديوان (دموع وكبرياء) عام 1411هـ، ثم (شبابي)عام 2003م، وقد أعاد نادي المدينة المنورة الأدبي طباعة ديوانيه: دموع وكبرياء، وشبابي. تناول شعره وحياته عدد من الباحثين والدارسين، وتم تكريم الصيرفي من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب كأحد رواد الحركة الرياضية بالمملكة، كما كُرم من قبل وزارة الثقافة والإعلام كأحد رواد الحركة الشعرية في بلادنا، بالإضافة لتكريمه في عدة مناسبات أخرى داخل وخارج المملكة. توفي رحمه الله في شهر محرم عام 1429هـ عن عمر يناهز الثانية والتسعين، وصلي عليه بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة ودفن في البقيع، وله ابن واحد هو المهندس عبدالحميد، وأربع بنات، فاطمة، ونزيهة، وزكية، وفهيمة.