حول القصيدة: وقعت يدي على قصيدة الأستاذ الدكتور الجراح حسن علي إبراهيم قبل نحو نصف قرن، القصيدة نظمها الشاعر بعد زيارته للمدينة النبوية، وألقيت في مؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته الخامسة والأربعون سنة 1399ه –1979م، ونشرتها ”مجلة الخفجي“ مجلة شركة الزيت العربية (اليابان). تقع القصيدة في 123 بيتًا بعنوان: “محمد رسول الله“ وهي من أجمل، إن لم تكن أجمل القصائد المعاصرة التي اطلعت عليها في مدح سيدي محمد صلى الله عليه وسلم، جيّدة السبك، ونفسها جاهلي. حول الشاعر: هو الأستاذ الدكتور حسن علي إبراهيم أستاذ الجراحة في كلية الطب في جامعة القاهرة وعضو المجمع اللغوي بالقاهرة، ولد سنة 1914 للميلاد وتوفى سنة 2002 للميلاد. نسيب القصيدة: مطلع القصيدة جميل وفيه لفتات إبداعية، فنية، طريفة، القصيدة في مدح سيد البشر و سجل لسيرته صلى الله عليه وسلم، والجميل اللافت لنظري أن الدكتور حسن إبراهيم كأنه أراد أن يتجنب ما اعتاد عليه فحول الشعراء، وخاصة الأقدمين منهم في الاستهلال بالنسيب، والنسيب أبيات من الشعر يستهل بها الشاعر قصيدته ليشدّ الانتباه لموضوعها، والنسيب في الغالب بعيد عن موضوع القصيدة، وعادة ما يكون في ذكر النساء والتشبب بهن، أو تذّكر الأطلال والديار والدارس من الآثار، ويعدّ النسيب قسم مهم من أقسام القصيدة. نسيب فحول الشعراء: عرّج الدكتور حسن على نسيب ثلاث من أجمل القصائد التي مدحت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، استعار الدكتور حسن نسيب مطالع: القصيدة الأصل ”بانت سعاد“ لكعب بن زهير بن أبي سلمى (نحو 58 بيتًا)، ”الكواكب الدرية في مدح خير البرية“ و المشهورة بـ ”البردة“ لمحمد البوصيري (نحو 160 بيتًا)، وقصيدة ”ريم على القاع“ لأحمد شوقي (نحو 36 بيتًا)، نسيب فحول الشعراء: قال كعب بن زهير في قصيدته الأصل ”بانت سعاد“: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم أثرها لم يفد مكبول واستهل البوصيري قصيدته المشهورة بـ ”البردة“ بقوله: أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم وبدأ شوقي قصيدته ”ريم على القاع“ والمعروفة بـ ”نهج البردة“ والمعارضة لها: ريم على القاع بين البال والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم تظاهر أنه لا يريد النسيب: جعل الدكتور إبراهيم من نسيب مطالع القصائد الثلاث الآنفة الذكر، ونفيّه لها استهلالًا لقصيدته، وفي ذلك لفتة فنية إبداعية رائعة. يبدأ الدكتور إبراهيم بنسيب البوصيري ويرد عليه بعدم شوقه للجيران بذي سلم: ما ذبت شوقًا لجيران بذي سلم ... ويلتفت إلى شوقي ويردّ عليه أنه ما أرق لذكر البان والعلم: ولا أرقت لذكر البان والعلم ... وأنه لم يبح لـ ”ريم القاع“ سفك دمه في أيّ من الشهور، حلّها وحرمها: وما أبحت لريم القاع سفك دمي في الأشهر الحل أو في الأشهر الحرم ويذهب بعيدًا إلى كعب بن زهير و“سعاده“ وأنها ليست بمتبلة منه الفؤاد: وما سعاد إذا بانت بمتبلة منّي الفؤاد ..... لماذا كل هذا يا دكتور حسن ؟ ويذكر السبب: ... لأن القلب في شبم !! وماذا بعد؟: إنيّ اتجهت بقلبي نحو بارئه من مطلع الفجر حتى غيهب الظلم وما السبب؟ إن المشيب علاني فاتعظت به وكم أرقت لوزري عبر الندم لقد وظّف الدكتور حسن أبيات النسيب الثلاثة لتكون نسيبًا متميزًا لمطلع قصيدته العصماء: ما ذبتُ شوقًا لجيرانٍ بذي سَلَمِ ولا أرِقتُ لذِكرِ البان والعَلَمِ وما أبحتُ لريم القاعِ سفك دمي في الأشهر الحِلّ أو في الأشهر الحُرُمِ وما سعادُ إذا بانت بمتبلةٍ مِنيّ الفؤادَ فإنّ القلبَ في شَبَمِ ثم يبرر هذا النفي في بيتين: إنيّ اتجهت بقلبي نحو بارئه من مطلع الفجر حتى غيهب الظلم إن المشيب علاني فاتعظت به وكم أرقت لوزري عبرةَ الندم وبعد ذلك يتجه نحو صلب قصيدته في ذكر ومدح وسجل حياة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: محمد عرك الدنيا بما حفلت من الشقاوة والنعمى ومن غُمَمِ جاء الحياة يتيمًا قبل مولده وفي الطفولة عانى شِقوَة اللَطَمِ الخلاصة: لقد أعطى الدكتور حسن الانطباع أنه لا يريد الاستهلال بالنسيب، وكأنيّ بالشاعر يقول أن النسيب لا يليق في مقام ذكر ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه وظّف عيون نسيب فحول الشعراء الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفيًا يرسخ النسيب ويكسبه بعدًا جديدًا. صلى الله عليك يا سيدي رسول الله، وصدق حسّان: وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء