حجة المماثلة.

تقوم الحوارات والنقاشات عادة على ما يسمى بالربط بين المتشابهات سواء في سياقات الإقناع أو غيرها وهي أرضيّة خصبة لتمرير الأفكار المضللة أو الإقناع غير الوجيه. حجة المماثلة هي استدلال يقوم على وجود تشابه بشكل عام بين (الحالة الأولى) و(الحالة الثانية)، فإذا كان الموضوع (أ) صحيحًا أو خاطئًا في (الحالة الأولى) فهو كذلك صحيح أو خاطئ في (الحالة الثانية). سأبسطها لك بمثال يكثر عند المهتمين بالعلوم الزائفة: كما يؤثِّر القمر على المد والجزر فحركة الكواكب تؤثِّر على مزاج الإنسان وسلوكه.ولكونهما أجرامًا سماوية شبهوا ما عليه دليل علمي (تأثير القمر على المد والجزر) بما لا دليل علميًّا عليه (تأثير الكواكب على مزاج الإنسان)؛ لجعل الادعاء يبدو منطقيًّا. قد تخرج صورتان من حجة المماثلة: موجبة وسالبة، كما جاء في الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء البريطاني أثناء مناقشة التدخل العسكري في العراق عام 2003م، حيث شبّه ذلك بوقوف بلاده في وجه النازية خلال الحرب العالمية الثانية مؤكِدًا ذلك بقوله إن «التهديدات الحديثة تحتاج إلى شجاعة كتلك التي أبداها أسلافنا ضد هتلر»، فجاء رد أحد أعضاء البرلمان المعارضين قائلًا: «إن الموقف يشبَّه أكثر بحرب السويس حينما أدى التدخل العسكري إلى أزمة دولية وخسارة الثقة، كلاهما استخدما حجة المماثلة، لكن الأول ركّز على المماثلة في صورتها العمليّة (الموجبة)، فكما أن بلاده وقفت أمام النازية بالتدخل العسكري في الحرب العالمية الثانية كذلك التدخل العسكري في العراق. وركّز الآخر على المماثلة في صورتها العملية الثانية (السالبة)، فالتدخل العسكري في العراق سيكون كارثة على البلاد مثل كارثة التدخل العسكري في حرب السويس. أثارت الحجج القائمة على مفهوم المماثلة والتشابه الكثير من الجدل تاريخيًّا واعتبرها بعضهم حِجَاجًا مُغَالِطًا، بل منهم مَن ذهب إلى أنها ليست حججًا على الإطلاق، على حين ذهب آخرون إلى أنها حِجَاج ينبغي تقييمه وفقًا لمعايير أخرى غير تلك المستخدمة لتحديد القياس المنتج في المنطق التقليدي؛ ذلك أنها تستند إلى ضرب من الاستدلال يختلف عن الاستدلال القياسي، وممن ذهب إلى هذا الرأي الأخير(والتون) الذي عدَّ حجة المماثلة من حجج المنطق الظني المعتبر في الاستدلال العملي الشائع في السياقات اليومية. ولكون هذه الحجة ضعيفة وقابلة للدحض دونك الأسئلة النقدية كما ذكرها (والتون): 1. هل (ح1) و(ح2) متشابهتان في الجانب المذكور؟ 2. هل (أ) صحيحة أو خاطئة في (ح1)؟ 3. هل ثمة اختلافات بين (ح1) و(ح2) قد تضعف من أوجه التشابه المذكورة؟ فماهي المغالطات المنطقية الناشئة من عدم الإجابة عن هذه الأسئلة النقدية؟ لعل عدم الإجابة عن السؤال 1+3 يفضي إلى نشوء مغالطة المماثلة الضعيفة وصورتها: [(س) تشبه (ص)، تختص (س) بالخاصية (أ) لذا فإن (ص) تختص بالخاصية (أ) حيث المماثلة بين (س) و(ص) ضعيفة]، فكما أن المسدس أداة محظورة من أدوات القتل، يجب على الحكومات حظر السكين أيضًا وعدم بيعها إلا بترخيص لأنها من أدوات القتل أيضًا. تأمل معي هذا الادعاء جيّدًا، ما وجه الشبه بين المسدس والسكين؟ إذا كان الشبه أنها أدوات تُستخدم للقتل فهل هذا يعني حظر كل أداة استُخدمت للقتل ومعاملتها معاملة المسدس؟ أما عدم الإجابة عن السؤال الثاني فينشأ عنه طيف من المغالطات: المماثلة الضعيفة، ومغالطة التضليل، ومغالطة المماثلة الزائفة. ولعل هذا السؤال معنيٌُ بقاعدة الصدق عند (جرايس):»لا تقل ما تعتقد أنه كاذب، ولا تقل ما لا تملك أدلة كافية عليه»، فالقول بالمماثلة رغم اعتقاد صاحب الحجة بكذبها تنشأ عنه مُغَالَطة التضليل، أما القول بمماثلة لا تركن إلى أدلة تثبتها فيدخلنا فيما يمكن أن نعدّه مُغَالَطة المماثلة الضعيفة. والحكم بهذه المُغَالَطة أو تلك مقيد بما لدينا من معلومات في حينه عن السياق، فربما يجري تقييم دعوى رئيس الوزراء البريطاني أعلاه الذي شبّه فيه دخول العراق 2003م بالتدخل العسكري في الحرب العالمية الثانية في مواجهة النازية على أنها مماثلة ضعيفة على سبيل المثال، أما لو استجدت معلومات ولو بعد حين بأن رئيس الوزراء البريطاني تعمّد المماثلة بينهما رغم اعتقاده بخلاف ذلك فهنا يكون الحكم بأن المُغَالَطة هنا مُغَالَطة تضليل. لا شك أن هذه المماثلة في خطابه وفي رد عضو البرلمان لا تخلو من التصوير المجازي الذي ينطوي على الوقوع في مُغَالَطة المماثلة الزائفة، وكلتا الحجتين على نفس الدرجة من القوة أو الضعف حِجَاجيًّا، ولا شك أن تدافع عبء الإثبات بهذه الطريقة بين المتحاورين أو المتخاصمين يوقع المتلقي فيما يشبه الدور في الاستدلال. وتبقى الصور البيانية وسائط ضرورية لتقريب المعنى إلى الأذهان، فالتعبير البياني يساعد في تقريب الأفكار الجديدة غير المألوفة بأفكار مألوفة لدى المتلقي استنادًا إلى وجه شبه معين، فهذه الصور تدور في رحاب الإفهام والتعبير وليست مصادر للمعرفة ولا للتدليل.