مسألة وقت!
يُشار إلى نهاية كل سنة بزمنٍ حُسِب عليك خَراجُه، واليوم لك كسبه. فيظل الإنسان في سباقٍ مع الساعة واليوم والشهر، وكل ما يقوده إلى المُحصلة النهائية. يستفتح عامه بسيل عارم من مخططاتٍ وأهدافٍ عدة، مستلهمًا أفكاره من كل بحر وثقافة وتطلعات يصبو إليها؛ متفيئٌ بعذوبة البدايات، مرتكزٌ على عزيمةٍ وجدانية، مُجازفًا براحته على حساب مُنجزاته. لكنّه لا ينتصف حتى يملّ، ويطرق الجمود قلبه، ويُؤثِر التواني على عمله؛ فالاندفاع المفرط والحماسة الدائمة طباعٌ معاكسة للاستمرارية والديمومة على الجدّ والسعي. كما أن الملل سجيةٌ بشرية، يحتاج المرء معها إلى مجاراة النفس حينًا وتهذيبها حينًا آخر، وما بينهما تجديدٌ ومراقبةٌ للواقع، وموائمةٌ للأهداف معه، وتبلورها على قياس أحلامنا ومقدرتنا. فلا يجذبنّك وهج البدايات، متناسيًا ما أنت عليه وما تريده. ولا تصطدم في مسارعة الزمن، فتصيبك خيبة الأمل، ولا تُرغمنّ نفسك على مرامٍ معاكسةٍ لك؛ فخطوات الآخرين لا تعنيك إن لم تتقاطع طرقك معها، وما يعجبك ليس بالضرورة ما يناسبك. فاختر لنفسك وجهةً أنت أهلٌ لها. وهذا لا ينفي إعدادَ الأهداف وتجلّي الرؤى، والحُلم بما تشاء وتؤمن به. فإحسان الخطة والعمل بالأسباب من أولى الواجبات عليك لذاتك، وصناعةُ الذات تستلزم عدةً وعملًا وجَلَدًا وصبرا. يقول إبراهيم الغزي: “لا تَسعَ للأمر حتّى تستعِدّ له سعيٌ بلا عُدّةٍ: قوسٌ بلا وتر لم ينجُ نوحٌ ولم يغرق مكذّبُه حتى بَنى الفُلك بالألواحِ والدُّسُرِ» وعند وقوفك أمام نفسك في نهاية العام، لا يشغلك بعض التقصير عن منجزٍ عملت عليه، ونلت به ما تتوق إليه؛ فمُنجزٌ وحيد خيرٌ من غاياتٍ شتى، لا تبلغ منها ذرة.