الهدف المفقود والإعلام المنشود.
في العدد الماضي من المجلة، أثار مقال الاستاذ عبدالله الوابلي في فقرته الاولى عن التنمية المستدامة فضولي وشجوني. لقد عملت وتعاملت مع أهداف التنمية المستدامة SDG’s السبعة عشر طيلة عملي مديراً عاماً لصندوق أوبك للتنمية الدولية OFID في فيينا ٢٠٠٣-٢٠١٨. هدف الصندوق كما هو معروف من اسمه هو مد يد العون للدول النامية، وبشكل خاص الدول الأشد فقراً عن طريق تقديم القروض الميسرة والمنح لتمويل مشاريع التنمية في مختلف القطاعات. تساءلت أول اسبوع باشرت فيه عملي في فيينا عن اجندة التنمية الدولية التي نحن طرفاً فيها فكان الجواب انها اهداف الألفية الثمانية الصادرة من الأمم المتحدة في سبتمبر ٢٠٠٠. Millennium Development Goals (MDG) وعندما أمعنت النظر في هذه الأهداف وانا قادم من وزارة البترول، او وزارة الطاقة كما هو اسمها الان، وجدت ان هذه الاهداف تتصدى لكافة أوجه الفقر ماعدا فقر الطاقة الذي يعرّف بمظاهره وهو وجود مالا يقل عن مليار نسمة في إفريقيا وآسيا بدون طاقة كهربائية! بالاضافة الى ٢،٥ مليار نسمة يعتمدون في معاشهم اليومي على الوقود التقليدي وهو الحطب وروث البهائم، او كما يعرف عند العامة بالجلّه، أضف إلى هذه الارقام مايصدر عن منظمة الصحة العالمية من أرقام تفيد أن مايتراوح من ٣-٤ مليون من النساء و الأطفال يموتون سنوياً جراء استنشاق الهواء الفاسد الذي سببه عدم توفر مواقد الطبخ النظيفة. بدأنا حملة إعلامية تعرّف بالصندوق ونشاطه، وإتخذنا من هذا الخلل في أهداف الألفية منطلقاً للتعريف بإستراتيجية الإدارة الجديدة، وأطلقنا على هدف القضاء على فقر الطاقة الهدف التاسع المفقود The Ninth Missing Goal إشارة إلى ان الاهداف ينبغي ان تتضمن هدف القضاء على فقر الطاقة إذ لايمكن لأي خطة إنمائية ان ترى النور بدون توفر الطاقة الكهربائيّة. استمرت حملتنا الإعلامية طيلة السنوات ٢٠٠٤-٢٠٠٦ وفي نوفمبر من عام ٢٠٠٧ استضافت حكومة خادم الحرمين الشريفين قمة أوبك الثالثة وطلب منا القائمون على إعداد البيان الختامي، ان نعد نبذة عن فقر الطاقة ودور الطاقة بشكل أعم، وفعلاً صدر البيان مع تخصيص فصل كامل عن الطاقة والتنمية المستدامة، تضمن في فقرته السادسة توجيهاً من الملوك والرؤساء لصناديق التنمية في الدول الأعضاء للبحث عن الطرق الكفيلة باجتثاث فقر الطاقة. نحن في صندوق أوبك OFID حولنا هذا الفصل من البيان الختامي إلى خطة عمل وبدأنا بالتركيز على الهدف المفقود وعقدنا في أول أسبوع من شهر يونيه ٢٠٠٨ في ابوجا عاصمة نيجيريا لأول مرة في تاريخ صناديق التنمية، أول ورشة عمل موضوعها فقر الطاقة وسبل القضاء عليها، شارك فيها عدد من مؤسسات التنمية على رأسها البنك الدولي وشركات الطاقة. خرجت الندوة بعدد من التوصيات، أهمها ان فقر الطاقة في إفريقيا معضلة لا يستطيع السوق وحده حلها، ولذلك بدأنا بالتحالف مع شركات الطاقة، كما هي تعليمات الملوك والرؤساء في قمة أوبك الثالثة. وعندما إنعقد مؤتمر الأمم المتحدة “ريو+20” في البرازيل، شاركنا ومعنا بيان من المجلس الوزاري تتعهد فيه دولنا الأعضاء في الصندوق بتخصيص مبلغ مليار دولار في حساب متجدد لمكافحة فقر الطاقة. وكان أوفيد الجهة الوحيدة التي ذهبت للمؤتمر ومعها هذا التعهد، وقد شرحت هذا الموقف في إجتماع حضره بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة. وفي سبتمبر ٢٠١٥ صدرت اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر من الجمعية العامة للأمم المتحدة متضمنة الهدف السابع عن فقر الطاقة، وهو الذي سبق ان اشرنا اليه بالهدف التاسع المفقود من أهداف الألفية، وهذا يعني ان المملكة من خلال دورها القيادي في صندوق أوبك والصندوق السعودي للتنمية قد سبقت الأمم المتحدة بخمس سنوات في الترويج لهذا الهدف. اما الدور الإنساني للإعلام الإنمائي “المنشود” ودوره في بناء جسور التفاهم بين الثقافات والمجتمعات كما ورد في ختام مقال الأستاذ عبدالله الوابلي فقد جسدناه في صندوق أوبك بإقامة نصب تذكاري في الحي الثاني والعشرين في مدينة فيينا، في موقع يطل على مباني الأمم المتحدة، ويحمل الأهداف السبعة عشر يتصدرها هدف القضاء على فقر الطاقة في جانبه المطل على الأمم المتحدة. وقد قدمناه هدية لمدينة فيينا بمناسبة مرور ٤٠ عاماً على إنشاء الصندوق في حفل حضره اعضاء المجلس الوزاري و وزير الثقافة النمساوي في شهر يونيه ٢٠١٦. ان كل ماقمنا به من جهود في هذا الشأن هو تجسيد للموقف النبيل الذي تتخذه حكومة خادم الحرمين الشريفين تجاه قضايا الفقر في العالم والذي ازداد وضوحاً ورسوخاً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سلمه الله و ولي عهده القوي الأمين الأمير محمد بن سلمان صاحب الرؤية الثاقبة والعزيمة الصادقة، وكل الثناء والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة الذي لا تفوته فرصة في تأكيد موقف المملكة من قضايا مكافحة الفقر بكافة اشكاله وعلى الأخص فقر الطاقة الذي يتابعه شخصياً من خلال ما تقدمه المملكة من حلول لهذه المشكلة التي وصفها سموه في اكثر من مناسبة على انها قضية اخلاقية.