أيام عادية تثير البهجة.
لست ممن اعتاد ساعات النوم الطويلة، وغالبًا ما تكون خمسٌ مناسبة، وإذا ما كان لديّ مهام عمل أو دراسة أجدني مسرورًا إن نمت في حدود ثلاث أو أربع ساعات. وربما كان في مسرح الحياة من هم أقل مني حظًا، وعكسهم من يغط في سبات عميق في أي مكان يضع فيه رأسه. قالها راشد الخلاوي: ويا طول ما وسدت راسي كتاده من خوفتي يعتاد لين الوسايد والقتاد نوع من الأشجار الشائكة، المهم أن البعض ينام هانئ البال، لعله لا يشغله شيء حين يضع رأسه، وهذه نعمة بحد ذاتها. الحديث ليس عن النوم، وإنما عن أشياء عادية تمر في الحياة تغفل عنها كتاباتنا لانشغالنا بما يدور في المشهد أو التركيز على الأفكار اللامعة. في يومياتنا ما يستحق أن نتأمله، ومؤخرًا شاهدت فيلمًا بعنوان “بيرفكت داي” (أيام مثالية) يحكي قصة إنسان يعيش روتينه اليومي، مغرمًا بالأشجار وتصويرها، ويبدو راضيًا عن حياته البسيطة. الفيلم يشر إلى أن روتينك ربما يكون سبب سعادتك، أكثر من قفزات ربما تؤذيك. في الطريق إلى جدة تعودت أن أذهب في سيارتي، أحب السفر برًا، يريحني رؤية الجبال تتناثر حول الطريق والسماء في كل حالاتها، وأن أتوقف في محطة أشاهد الناس يأخذون قسطًا من الراحة، يقضون بعض حاجاتهم قبل أن يطويهم الطريق مجددًا. وأستغرب ممن لا يحب السفر وحيدًا حتى وهو مسافر لغرض معين، عمومًا لست من أولئك لأنني قد أتوقف في أي مكان يروق لي، معي فرشة صغيرة أرتاح قليلاً أو أصلي إن وافق وقت صلاة. في السفر وحيدًا فرصة للتأمل، للهدوء، لمخاطبة النفس، وحتى مشاكستها، هذا إذا لم تستمع أو تشاهد أي شيء لا يشعرك بثقل المسافة. ولست ممن يحب مطالعة لوحات الطريق، لمعرفة كم تبقى من مسافة. ذات يوم قطعت الطريق إلى جدة وكاد الوقود أن ينتهي وكنت بعيدًا عن أقرب محطة. في تلك اللحظة شعرت بالقلق، لكن الأمور تسهلت بشكل لم أتوقعه، وكانت من أجمل رحلاتي الدراسية. في الجامعة يتبدد التعب في لقاء الأصدقاء، وجلسات التدارس وأجواء بعض المحاضرات التي يتمتع فيها الأساتذة بفنون إثارة الأسئلة وتحفيز الذهن، وتنسيك إجهاد السفر وقلة النوم. تلك خلجات من أيام عادية، لكنها تترك في النفس من الارتياح ما يصعب وصفه.