أوقات الكتابة الإبداعية..!
ليست كل الأوقات مهيأة لمزاولة مهنة الكتابة الإبداعية، سواءٌ أكانت شعرية أم نثرية، ولعل أول وأكثر من يدرك هذه الحقيقة هم المبدعون أنفسهم. فإن للكتابة الإبداعية أوقاتها الخاصة التي لا يختارها المبدع، بل هي التي تختاره وتداهمه وتلهمه وتحفزه على ترك كل شيء، وتدفعه لاقتناصها وإلى اللجوء لأدوات الكتابة وأجوائها. وإذا لم يقتنصها ولم يستجب لدواعيها المُلحّة ويلجأ للكتابة في وقتها..، طارت الفكرة أو بردت وذوت وجاءت متقطعة ومتهالكة. وعلى العكس من ذلك، حينما يقتنص الشاعر أو القاص أو المفكر لحظات الإلهام ويستجيب لها فإنه يُبدع أكثر، وتصبح مهمة الكتابة أسهل وأسلس عليه من أي وقت آخر. ففي تلك اللحظات المواتية، تنشأ غيوم الإبداع وتتحول إلى سحب ممطرة وشلالات وينابيع متدفقة وجداول جارية، وإلى رياض وبساتين وحدائق مزدهرة. ويدخل المبدع أو المفكر في حالة حضور ذهني، وشبه غياب جسدي، وصعود خيالي، وسمو فكري..، فتتناسل الأفكار المبتكرة في مخيلته، وتتدفق المفردات والعبارات الجميلة بين أنامله. قد تداهمه تلك الحالة بصورة مفاجئة وتستمر حتى تنتهي أعراض المخاض عن ميلاد القصيدة أو القصة أو المقالة. ومن الغريب أنه لا يستطيع الخروج من تلك الأجواء حتى ينتهي من كتابة مشروعه الذي قد يأتي دفعة واحدة، وقد يأتي في أوقات متفرقة، لكنه يظل هاجساََ ملحَّاََ يلازمه كطائرِِ يحوم حول رأسه في كل مكان وزمان حتى يشعر بأنه قد اكتمل. وعندما يكتمل المشروع، قد يتساءل المبدع في نفسه كيف استطاع أن يكتبه..؟! لأنه يظل عاجزاََ لو حاول أن يكتب نصاََ مشابهاََ له في أي وقت آخر لا تتوفر فيه أجواء الكتابة ودوافعها وأدواتها. وعندما يُرغم المبدع نفسه على الكتابة خارج أوقاتها، فإنها في الغالب تأتي عادية وباهتة ومتكلفة وغير مؤثرة..، كتلك النصوص التي يلجأ لكتابتها بدافع الرغبة في الظهور وفي الحضور الدائم، وكقصائد المناسبات التي تأتي تحت الطلب، ويُفرض موضوعها وتُملى مضامينها على الشاعر. وهذا هو السر والسبب الرئيس الذي يكمن وراء عدم استقرار النصوص الإبداعية عند مستوى فني معين لدى سائر المبدعين بصورة عامة، ولدى الشعراء بصورة خاصة. وبلا شك، فإن معظم الشعراء بالذات قد يلجؤون للكتابة الشعرية في غير أوقاتها، مدفوعين إما بالرغبة في الحضور الدائم وعدم الانقطاع عن الظهور، وإما بإلحاح متابعيهم في السؤال عن جديدهم. وعلى سبيل المثال، فقد كنت في بداية مشواري مع القراءة مدفوعاََ لاقتناء ديوان أحد الشعراء الكبار، بناءََ على على شهرته الواسعة. وعندما اقتنيت ديوانه وقرأته لم أخرج منه إلا بنصوص لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، أعتقد بأنها هي التي صنعت له تلك الشهرة والحفاوة وذلك الانتشار الواسع..، أما بقية النصوص فقد كانت عبارة عن مقاطع إخوانية ومدائح وتهاني تخلو من ملامح ومشاعر الشعرية المتوهجة. وقد كتبت ونشرت مقالتين عن خيبة أملي في شاعرية ذلك الشاعر الكبير الذي تُوج بأكبر لقب لشاعر عربي، مما دفع البعض إلى الاعتراض على وجهة نظري، وجاءت الاعتراضات على هيئة مقالات ورسائل ومناكفات ساخرة في المجالس الخاصة. **** - فاصلة : لستُ أدري متى تطرقُ الباب .. حتى أُهِيٌئَ مجلسَها، وأفتحَ بابَ الحوار المباح..؟! - هي دوماََ تحبٌُ اجتياحي، وأيٌُ اجتياح..؟! - إذا داهمتْني خضعتُ لرغبتها الجامحة، وسلٌمتُ نفسي ، ووقتي لها..!! إنني أفقد الوعي ..حتى تصيحَ القصيدةُ بين يدي، فأنهضُ - كالفارسِ المستباح..!!