صالح الشادي.. القصيدة التي تشبه المملكة!
كلُّ شاعر يحمل في قلبه وطناً، لكن قلّةً من الشعراء يصبحون هم الوطن في الذاكرة والوجدان. صالح الشادي واحدٌ من هؤلاء. شاعرٌ لا يكتب القصيدة، بل يُشعلها لتضيء، ويتركها تمشي بين الناس كأنها أنشودةُ انتماء قديمة ووليدة في آنٍ واحد. منذ بواكيره الأولى، أدرك أن الشعر لا يُقال لتزيين الأمسيات، بل ليهزّ المعنى، ويُعيد ترتيب المشاعر في قلب الإنسان. كتب للوطن كما يكتب الابن لأبيه، وللملك كما يخاطب المخلصُ راية المجد، وكتب للحبّ كما يتنفّس من ضوئه، لكنّ كل ما كتب كان، في النهاية، عن الإنسان الذي يسكن هذا التراب. ولد الشادي في بيئة تتقاطع فيها البساطة مع الفطرة، وتلتقي فيها القيم مع النور. حمل من قريته نقاءها، ومن الصحراء صبرها، ومن الجبال شموخها، ثم مضى ليصوغ من كل ذلك نبرة جديدة في الشعر السعودي، نبرةً تجمع بين الشجن والاعتزاز، بين التأمل والموقف. لم يكن صوتُه مجرّد صدى لحفلات وأوبريتات وطنية، بل كان امتداداً لتاريخ طويل من الحبّ والوعي. في كل مرة كان يُستدعى فيها صوته، كانت البلاد تستدعي في الوقت نفسه ذاكرتها وكرامتها وأغنيتها الأولى. كان الشعر عنده فعل وفاء لا وظيفة مديح، وكان الإنشاد امتداداً لنبض القصيدة لا بريقها العابر. صالح الشادي، في عمقه الإنساني، مثقف قبل أن يكون شاعراً، وقارئٌ قبل أن يكون مؤلفاً. يعرف وزن الكلمة حين تُقال، ومسؤوليتها حين تُهمَل، ويؤمن أن الحرف لا يعيش إلا حين يكون وفياً للحقّ والخير والجمال. لذلك ظلّ صوته نادراً وسط ضجيج الخطابة، وضياؤه دافئاً وسط زحمة الأضواء. وحين تتأمل حضوره اليوم، تدرك أنه ليس ابن لحظة إعلامية، بل ابنُ رحلة طويلة مع الوجدان السعودي، شاعرٌ رافق تحوّلات وطنه بصدق القلب وحرارة التجربة. في كل بيتٍ كتبه ظلّ معنى الوطن ممكناً، وفي كل قصيدةٍ له ظلّ الحلمُ مستمراً بأن يكون الشعرُ وجهاً آخر للمحبّة. هكذا هو صالح الشادي: شاعرٌ لا يصف السعودية، بل يجعلها تنطق من خلاله، ويجعلنا نحبّها أكثر كلما أصغينا إليه. (*) كاتب وصحافي سعودي