أحد أهم الأسماء العربية الوفية للرواد.

في زمن الهاشتاق والتريند وفي حالة الفوات التاريخي والحضاري التي يعيشها الإنسان العربي يبدو تدوين شهادة عن كفاح ونضال أحد الصامتين المهمومين بالعمل الثقافي فقط، أمرا نادرا وعزيزا، لذا وددت أن أشارك مع الزملاء في هذا الملف المنشور على صفحات مجلة اليمامة العريقة وليس على المنصات الرقمية فقط. شهادة حق أمام “الحقائق البديلة” الذي ينتجها الذكاء الاصطناعي، دورنا أن نلتفت لمن يجتهدون في نبش الحقائق ويعملون على توثيقها فهم رافد مهم لبناء سردية وطنية تاريخية سعودية لن تنجح القوى المهيمنة في طمسها أو تبديلها أو تزييفها. أقول: إن كان للوفاء معادلا موضوعيا في عالم البشر فلابد أن يتبادر اسم محمد بن عبد الله السيف لاذهاننا كأحد أهم الأسماء العربية الوفيّة للرواد والمثقفين، الصحفي، كاتب السير ، المؤرخ ، الإداري ، الناشر، (الإنسان)، نكتب عن المثقف الذي يمزج بين البحث والتأليف من جهة والدور الفعلي في الأوساط الثقافية عبر إدارته _على وجه الخصوص_ لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي. وترؤسه تحرير المجلة العربية من جهة أخرى. هو يقرأ من الماضي ليكتب للمستقبل مع المحافظة على مسافة آمنة وصحيحة من التاريخ، عبر دار جداول للنشر ساهم هو والدكتور يوسف الصمعان _رحمه الله_ في الحفاظ على السرديات الثقافية والتاريخية السعودية على أكثر من جبهة مع جعلها في متناول جماهير شابة وجديدة. وهو بهذه العملية لا يُكرّم المؤلفين الأصليين فحسب، بل يسهم أيضًا في بناء مجتمع سعودي أكثر وعيا وانفتاحا. لذا نشعر أنه يسبق الزمن بمؤلفاته وتحقيقاته الصحفية، ولأنه متقدم على عصره نجده يهتم برواية سير المثقفين والسياسيين الرواد الذين تقدموا على عصرهم هم كذلك، وجمعوا مثله بين مجالين وأكثر، مثل: النفط والسياسة أو الإدارة والاقتصاد أو السفارة والسياسة والتعليم وهكذا..، هذا الهاجس يدفعه باستمرار للبحث، إن كان بوعٍ منه أو دون أن يلاحظ هو نفسه ذلك. لذا نجد عناوين مؤلفاته تحمل هذا المعنى بصيغ مختلفة. وللسيف قصب السبق في تعريفنا بجانب مهم وغير مسبوق من تاريخ المملكة العربية السعودية إبان التأسيس، فله أكثر من مبحث وكتاب مهم تناول سير وحياة رجالات المغفور له الملك عبد العزيز، وأضاء جزءا كبيرا من غموض المجتمع السعودي الناشيء آنذاك. أحيانا أفكر كيف استطاع محمد السيف وزملاء مرحلته من الصحفيين والمثقفين الاستمرار دون الشعور باللاجدوى والإحباط في زمن ليس زمن الرؤية، كيف صمدوا وأي إيمان قوي بالله وبوطنهم وشعبهم دفعهم للإنجاز التراكمي الصامد والصامت بينما كان صوت الآخرين الإقصائيين مرتفعا ومؤذيا، وكما يرى السيف ويميز رجال الأجيال السابقة من الرواد نحن كذلك نعرف أن السيف وأبناء جيله كانوا روادا أيضا ونحفظ لهم تكريما وتقديرا في نفوسنا . ومن من المرجح عندي أن يلهم إرث محمد بن عبد الله السيف الأجيال القادمة من المؤرخين وكاتبي السير والباحثين والقراء، مما يثري نسيجنا الثقافي ويعزز الوعي الوطني بعمقنا التاريخي بشكل أكبر ويعزز التقدير الأكبر لقوة المرويات الاجتماعية والسجلات التاريخية في زمن السيطرة الخوارزمية والرقمنة التي تتحكم بالوعي وأحيانا تضلله أو تغيبه.