الصديق العزيز الذي فتح أمامي أبواب الكتابة والنشر .

كم غمرتني السعادة حينما علمت أن المجلة العريقة مجلة اليمامة تعتزم الاحتفاء بالمؤرخ القدير الأخ والصديق العزيز الأستاذ محمد السيف الذي أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته التاريخية النوعية في توثيق سير الأعلام البارزين من راود الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم في التاريخ الحديث والمعاصر. ومبعث سعادتي بهذا الاحتفاء المستحق ليس لمجرد الصداقة الوثيقة التي تربطني بالأستاذ محمد السيف، بل هو نابع من إعجاب كبير بإنتاجه الثقافي والمعرفي وخدمة التاريخ الوطني بخاصة والتاريخ العربي بعامة بمؤلفاته التاريخية النوعية في توثيق سير الرواد الأوائل الذين كانت لهم بصمات واضحة في التاريخ المحلي والعربي والدولي، والتي من خلالها عرّفت القارئ والمثقف العربي بحصيلة معرفية تاريخية ثرية ليس عن سير هؤلاء الرواد فحسب، بل عن مراحل تاريخية مفصلية في مسيرة تاريخ المملكة والوطن العربي كانت الذاكرة العربية قد قابت قوسين أو أدنى من فقدانها بعد أن تقادم عليها الزمان وزحفت إليها رمال النسيان، لولا أن أجرى عليها محمد السيف جداوله، فأعاد إلى شخوصها رونق الشباب ونضارة الحياة، وجمعنا بهم في صفحات كتبه، وتعرفنا إليهم من قرب، ورأيناهم رأي العين، أو هكذا أحسسنا ونحن نقرأ سيرهم، لما يتمتع به قلم السيف من رشاقة الأسلوب وصدق العبارة. وتتسم كتابته التاريخية وتوثيقه للسير بالرصانة العلمية، والتدقيق التاريخي، والموضوعية، والبعد عن التحيز، ولذا أصبحت مؤلفاته مراجع أساسية للباحثين الأكاديميين وللقراء والمثقفين على حد سواء. والحقيقة أن هذه المنهجية الرصينة الواضحة في مؤلفات المؤرخ محمد السيف تشبه شخصيته تماماً، فهو شخص يتحلى بالرزانة والحكمة والصدق والوضوح والبعد عن المجاملات، وأنا أريد هنا أن أتحدث عن محمد السيف الصديق العزيز. تربطني بمحمد السيف صداقة وثيقة بعد أن حظيت بلقائه في منزل خالي وصديقي العزيز الكاتب والمثقف علي العميم قبل أكثر من عشر سنوات. كانت أحاديثهما كالمطر المنهمر من المعلومات التاريخية والثقافية والأدبية. كنت مستمتعاً جداً. ثم توالت اللقاءات بين حين وآخر. في يوم من الأيام قالا لي أن خلفيتك المعرفية الجيدة في التاريخ الإسلامي يجب أن تظهر، ولا تظل حبيسة أحاديث في المجالس أو مقتصرة على شكل تغريدات في تويتر. وألحّا عليّ في ذلك. حقيقة كنت فرحاً بهذا الطلب، لأني شعرت بالإطراء من مثقفين كبيرين، وأعرف أنهما لا يجاملان في أي شيء يخص الثقافة ابدا، فلو لم يلمسا الإضافة التي يمكن أن اقدمها في هذا المجال لم يطلبا مني أن أكتب أبداً. كتبت أول مقال لي عن المخرج السوري الراحل حاتم علي والنقلة الكبيرة التي أحدثها في المسلسلات التاريخية ونشر في المجلة العربية، ثم توالت بعد ذلك عدة مقالات لي في المجلة العربية كانت في معظمها في التاريخ الإسلامي. يعدها بفترة عملت على تحقيق تاريخي في قضية المؤرخ التونسي عثمان الكعاك وادعاءات مزعومة عن كشفه لدليل مادي يثبت سرقة رينيه ديكارت من أبي حامد الغزالي، ونتيجة لذلك تعرض الكعاك للاغتيال بعد كشفه عن الدليل المزعوم. بعد إتمامي للعمل قررت أن أنشره على شكل حلقات في إحدى الصحف. وقد عرضت العمل على محمد السيف ليبدي لي رأيه. قرأ العمل كاملاً وقال لي أن طبيعته لا تصلح للتجزئة، ويجب أن تنشره في كتاب. وقد كان محقاً في ذلك، ورحب بنشره في دار جداول، وفعلاً نشرته في الدار وحمدت رأيه كثيراً. محمد السيف له فضل كبير علي في اتجاهي للكتابة والنشر، وكان دائماً يقول لي إن هذا هو الأثر الباقي والإرث الحقيقي، وهو الذي سيخلد اسمك، فاحرص على البحث والتأليف ولا تتوقف. الحديث عن مزايا الصديق العزيز محمد السيف لا تكفيها هذه المساحة، ومهما قلت عنه لن أوفيه حقه. فعذراً أيها الكبير.