أم الهايكو وأمُّنا الروحية.

الأم هي التي ولدت أو ربت، وقد تكون الأم هي الأخت الكبرى، وقد تكون الابنة التي تمنح والديها اهتمام الأم وحنانها ورعايتها، وهي كذلك الجسر الإنساني الروحاني، فالأمر لا يرتبط بالسن ولا بالولادة ولا بنوع الصلة ولا التربية فقط، وإنما يعبر كل تلك الآفاق ليرتبط بمفهوم الأمومة المستبطن لتلك المشاعر التي لا يمكن أن نصفها أو نعبر بكلماتنا عنها. هذه هي علاقتنا نحن جيل أبناء أمنا الروحية د. خيرية السقاف. الأم الروحية ضمن أمهات روحانيات وآباء روحانيين، كانوا بمثابة الحبل السري الذي يربط ملكاتنا ومواهبنا الأدبية المتنوعة والصحفية المتعددة بجسدنا الثقافي وطموحنا الإنساني. وسامح الله الدكتور أحمد القيسي الذي أحزننا وأفرحنا، أحزننا لأنه جعلنا نشعر بالتقصير أمام قامة في الأدب والأدب، والصحافة والحضور المشرف للمرأة السعودية من جيل الرائدات، وأفرحنا لأنه بادر وأقدم وكتب ووثق الريادة لمن يستحقها، ونسب الأسبقية والتأسيس إلى الاسم وأثبت القول بالمستندات اللازمة التي تمنح الدكتورة خيرية السقاف السبق التاريخي والإبداعي خليجيا في كتابة نص “الهايكو”، ولم يكتف القيسي بذلك فرفع من قيمة كتابته التوثيقية والإبداعية من خلال رباعية ذهبية تمثلت في عنوان الكتاب الذي افترش اللون المناسب وأبرز اللوحة المعبرة، والجهة المنتجة للكتاب وهي النادي الأدبي الثقافي بنجران، وأحمد بذاته النقدية وقلمه الأنيق في العرض والتوضيح وذائقته في اختيار النصوص وترتيبها، وحسن البناء المنهجي، وصولا إلى القيمة الذهبية الرابعة في التقديم للكتاب من خلال رائد من رواد الثقافة العربية، ومعاصر لأدبنا السعودي، ومراقب وفاعل في تشكيل صورة مكتملة عن مشروعنا الوطني النقدي، وأحد الآباء الروحانيين لأجيال سعودية الدكتور عبدالله الغذامي. فن الهايكو الياباني الذي تبناه شاعر يكتب الفصيح والشعبي بمهارة الناظم وبروح المبدع وبنفس المتذوق وصرامة الناقد مما أعطى لهذا التبني قوة تجابه القوة المضادة لهذا الفن وتقف لها ندا لند، وتجعل من القيسي محطة مهمة ومفصلية في تاريخ الهايكو السعودي والخليجي والعربي، وتمنحه صلاحية التأكيد على ريادة خليجية للدكتورة خيرية لهذا الفن عندما جمع بين الممارسة الإبداعية والتتبع والتوثيق التاريخي، وقد حاولت أن التقط خيوط هذا التمكن وأنسج منها حكاية عن عصر جديد من عصور الهايكو بلمسات سعودية، وسحرية عربية تحسن تدليل النصوص وملاعبة الخيال، ولكن بين يدي مهارة القيسي وتشربه لهذا الفن فلن أكون الشخص المناسب للحديث عن فن؛ جعلني طرح القيسي أتصور أنني قد كتبته في مرحلة من المراحل من خلال ما كان منتشرا في فترة ماضية من تنافس لكتابة نثر إبداعي أو شعر يعبر عن صورة مختارة، ولكن عند قراءتي للنماذج المختارة لرائدة فن الهايكو الخليجي ولكتابات القيسي وعبدالله أحمد الأسمري، وآخرين فضلت ألا أغامر وأن أحتفظ بطموحاتي في مكان قصي مع نفسي. المشهدية، والآنية، والمنطقية، والتنحي، والتكثيف؛ عناصر تشكل أجناس عربية حديثة وقديمة، ولكنها تأتي في فن الهايكو بمنظور مختلف استطاع القيسي أن يأتي بأمثلة ناصعة دالة عليها من خلال نصوص الدكتورة خيرية، ومن خلال شرحه لهذه التركيبة الفنية الذوقية مع عدم نفينا التام لوجود مناطق تماس مع فنون الوجيز العربي المختلفة، والتي أصبحت بالمناسبة اسم لمشروع ثقافي –الوجيز- تبناه القيسي ويوسف العنزي وأعلنا عنه في الأيام القريبة الماضية. ولا بد قبل أن نضع نقطة آخر السطر أن نرسل عبارات الشكر للإعلامي القدير عبدالله وافيه والذي كان له فضل التقاط الفكرة وتصديرها - كما جاء على لسان المؤلف في المتن - لمن أحسن تقدير قيمتها، وناولنا تعريفا مقتضبا بفن الهايكو، وقدم لنا فكرة عامة هامة عن رائدة سعودية، وأخرج لنا درر من الهايكو مما كتبته الدكتورة خيرية السقاف: أعبى محبرتي في القطار حيث الجداول تتدفق ... ضجة السكوت جعلتني أدق في الحائط مسمارا ... الراعي في البيداء يهش بعصاه على الحنين ... في الجدار ثقب لعله لمسمار سقط مع الريح ... في الرماد قصاصة لم تحترق ... نقطة آخر السطر هي التي وعدتكم بوضعها! وإلا فإن الحديث بيني وبين كتاب (خيرية السقاف. رائدة فن الهايكو في الخليج العربي وديوانها “سرابًا وأبقى”) الصادر عن النادي الأدبي الثقافي بنجران، ودار يسطرون للنشر في طبعته الأولى 1445هـ والذي أعده وقدم له د. أحمد يحيى القيسي ما زال ما ثلا أمامي بروحه ونصوصه الحية.. نقطة أخرى آخر السطر